استحق المسرح لقب «أبو الفنون»، فهو أقدم الفنون وأرفعها مكانة وأهمية، إذ يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد على يد الإغريق.

وكثيرا ما تداول الناس مقولة «أعطني خبزاً ومسرحاً أعطك شعباً مثقفاً»، ومن هنا اهتمت رؤية 2030 بهذا الفن، وأولته عنايتها لتشتت العتمة التي وشحته سنوات طويلة، وذلك ضمن أهدافها الرامية إلى إحياء الثقافة في المملكة، والمساهمة في تحريك عجلة الحراك الثقافي والإبداعي.

وانطلاقا من هذه الرؤية أنشأت وزارة الثقافة عدة هيئات، منها هيئة المسرح والفنون الأدائية لتعمل على النهوض بالمجال المسرحي، ودعم وتشجيع التمويل والاستثمار فيه، بقيادة رئيسها التنفيذي سلطان البازعي الذي ذكر في حديث إعلامي أن «الهيئة ستعمل على تمكين العاملين في هذا المجال، وتدريبهم، وإنشاء المسارح في جميع أنحاء المملكة، وإيجاد حلول للمشاكل التي يواجهها المجال المسرحي».

مبادرة التأليف المسرحي

يقول الكاتب المسرحي عباس الحايك، والذي حصل نصه «نوارس أيوب» على المركز الخامس في مسابقة التأليف المسرحي التي أطلقتها هيئة المسرح والفنون الأدائية في مارس الماضي «ثمة حالة من الانتعاش يعيشها أو يبدو المسرح السعودي مقبلاً عليها، ووجود مسابقات من نوعية مسابقة التأليف المسرحي، أو حتى مسابقة للعروض، تشكل دعما مهما للمسرح، فهي عادة ما تكون حاضنة لاكتشاف تجارب مسرحية، وتخلق فرصا تنافسية مهمة».

وأضاف «كمسرحي سعودي شاركت في عدة مسابقات تأليف عربية، أهمها جائزة الشارقة للإبداع العربي، وجائزة الشارقة للتأليف المسرحي، ومسابقة الهيئة العربية للمسرح للتأليف المسرحي بشقيها الكبار والأطفال، وكنت أتمنى حينها أن تكون هناك مسابقة سعودية للتأليف المسرحي، ثم أتت هذه المسابقة وحققت لكتّاب المسرح السعوديين حضورهم المحلي، وعززت أهمية التأليف المسرحي».

رفض المجتمع

شهد المسرح السعودي رفضا مجتمعيا في فترة من الفترات قادت إلى إغلاق المسارح، وإلغاء العروض، وقال الحايك معلقاً «كان لتلك المرحلة تأثير أكيد على المسرح بكل عناصره، ولكن كتاب المسرح المحليين تكيفوا مع الأمر قليلا، فلم يتأثر كثير منهم بشكل واضح بتلك العقبات التي نجمت عن الرفض والإغلاق، فواصلوا الكتابة بمنأى عن هذه الظروف، حيث وجدوا أن النص المسرحي يتميز بقدرته على التكيف مع أي مكان وزمان، فكتبوا نصوصهم التي نفذت في كل مكان، فالنص المسرحي السعودي نص مطلوب لتميزه، ولأنه لم يكتب لمجتمع بعينه، بل هو نص إنساني يتناول قضايا أكثر شمولية من القضايا المحلية».

وأضاف «كان اختيار المسرحيين السعوديين لموضوعاتهم الإنسانية اختياراً ذكياً حقق لنصوصهم الانتشار».

ضعف الدعم للمواهب

يرى الممثل والمخرج المسرحي الشاب عبدالعزيز آل عبود أن المسرح السعودي قام على جهود ذاتية، ويقول لـ«الوطن» «لا نتلقى أي دعم في عملنا، وما نقدمه هو نتيجة لمجهودات ذاتية، والعزم هو من يدفعنا، وننتظر كمواهب شابة أن نتلقى دورات، وورش عمل تطويرية، إضافة إلى الدعم المادي لأعمالنا».

ويعتقد آل عبود أن المسرح يستحق الاهتمام والعناية اللذين بدأ يجدهما أخيراً، ويقول «المسرح مهم، ويبقى له حضوره حتى مع التوجه العام في العالم كله نحو السينما، والأفلام».

بدوره يعود الحايك إلى تناول مسألة احتضان المواهب، ويقول «كثير من الموهوبين يبحثون عن مساحة احتضان لمواهبهم، تمكنهم من التعبير عن أنفسهم، وتمنحهم فرصة للعمل، وعلى الرغم من وجود فروع لجمعية الثقافة والفنون حول المملكة، إلا أن هذه الفروع لم تتفاعل مع هذه المواهب إلا فيما ندر، حيث تم إنشاء هذه الفروع لدعم المواهب الشابة، ولكن نتيجة ما مر على الجمعية من قلة الدعم الحكومي وحالة التقشف، تحول أكثر تلك الفروع إلى فروع بلا نشاطات».

وأكمل «يفترض بكل جمعية أن تقدم عرضين، للكبار والصغار، ولكن حتى هذه العروض لو أقيمت فإنها غير كافية لاستيعاب المواهب، ربما باستثناءات قليلة، فقد أطلق فرع الجمعية في الدمام مهرجانا مسرحيا لعشر دورات، وكانت الدورات العشر ناجحة في اكتشاف عدد من المواهب المسرحية، ولو كررت كل الفروع ما فعله فرع الدمام، لما هرب موهوبو المسرح إلى التلفزيون، أو اليوتيوب، أو السينما، وأنا متيقن أن هيئة المسرح تعمل جاهدة لتجاوز هذه المعضلة بمبادرات مهمة».

ضعف الحراك

يعلل الحايك ضعف الحراك المسرحي السعودي في الماضي بعدد من الأسباب، ومنها «قصور الإمكانات المادية، فكثير من المسرحيين كانوا يعتمدون على مجهوداتهم الفردية لتقديم عروضهم، والمشاركة أيضاً في المهرجانات الخارجية، وأيضا عدم الاعتراف الرسمي الحقيقي بالمسرح، وعدم وجود حاضنة للمسرح، على العكس من الوضع الآن، فالمسرح أعترف فيه بوجود مبادرة المسرح الوطني، وهيئة المسرح والفنون الأدائية، كما أنه أصبح نشاطاً رئيساً في التعليم بعد عدة اتفاقيات بين وزارتي الثقافة والتعليم، وهو ما سيتيح صالات العرض الجامعية للعروض المسرحية والتي لم تكن متاحة سابقاً».

غياب المرأة عن المسرح

يرى كثير من المراقبين أن غياب المرأة عن المسرح السعودي ترك أثره السلبي، حيث قلص فرصة تعبير المسرح عن المجتمع، وهذه هي المهمة الأساسية للمسرح غبر تاريخه، ويقول الحايط «وجود المرأة على الخشبة كممثلة يعني أننا أمام مسرح طبيعي يمكن أن يناقش كل القضايا، مسرح لا يمكن أن يسمى مسرحا ذكوريا، أو أعرج كما كان يطلق على المسرح السعودي، حيث إن المسرح مع وجود المرأة يعني أن الكاتب لن يضطر أن يتجاوز وجودها في نصه، ويجد نفسه دون اشتراطات، والمسرح بهذا الشكل قادر على أن يصل للعائلة السعودية، وأن يكون فعلا ترفيهيا يمكن للعائلة السعودية أن تمارسه دون قلق ولا توجس، ويمكن للمسرحيين أن يقدموا ما يشبه المجتمع السعودي بكل احترام».

ويضيف «الجمهور السعودي جاهز بالتأكيد لتلقي مسرحيات تُناقش فيها قضايا المرأة، وقد شاهد تجارب مستقدمة، من الكويت والخليج بالعموم، وإن كانت تجارب مثيرة للجدل بسبب مستوى ما تقدمه هذه المسرحيات، وبالتالي سيكون جاهزاً لمشاهدة مسرحيات سعودية بمشاركة المرأة».

مشكلات المسرح السعودي

- غياب الدعم والاعتماد على المجهود الذاتي

- عدم الاعتراف الرسمي الحقيقي بالمسرح

- عدم وجود حاضنة له

- قلة دورات التدريب وورش التأهيل

- عدم إتاحة الفرصة للمواهب

- غياب المرأة الذي يقلص مساحة التعبير عن المجتمع

نقاط أمل لمستقبل المسرح السعودي

- الاهتمام الكبير والملحوظ من وزارة الثقافة

- اتفاقية التعاون بين الثقافة والتعليم

- إمكانية الاستفادة من مسارح الجامعات لتقديم العروض

- مبادرة المسرح الوطني

- إنشاء هيئة المسرح والفنون الأدائية

- اعتباره نشاطا رئيساً في التعليم

- إطلاق مسابقة التأليف المسرحي

- مهرجانات الجامعات وجمعية الفنون في الدمام