(1)

البيعة، منتج إسلامي أصيل، لا يختلف اثنان على أهميته في جمع الكلمة، ونبذ الفرقة. وحين أبدعت الحضارة الإسلامية هذا المفهوم، فإنها تدرك وتعي قيمة أفرادها، وأهمية مشاركتهم في الأحداث المحيطة بهم، وأنهم جزء لا يتجزأ من الحراك السياسي والاجتماعي المؤيد من الله سبحانه وتعالى، إذا ما استمروا فيه مجتمعين غير متفرقين ولا متناحرين.

يشير الدكتور راغب السرجاني إلى أن القرآن جاء ليثبت هذه الفكرة، حين تحدث عنها في أكثر من موضع «إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» «الفتح: 10»، ويقول تعالى: «لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْـمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا» «الفتح: 18».

(2)

الرسول عليه الصلاة والسلام أوتي جوامع الكلم، وهو من أفصح العرب. وعندما تحدث عن وجوب الطاعة، تحدث عنها بشكل واضح وصريح لا مواربة فيها ولا غبش، يقول: «اسمعوا وأطيعوا ولو وُليّ عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة».

(3)

هل يمكن لأحد أن يقول إنني لم أبايع بشكل شخصي، ولذلك لا توجد في عنقي بيعة لولي الأمر؟

مع الأخذ فى الاعتبار بأنني غير مخول بإعطاء فتوى في هذا الأمر، ولكنني أقول بأنه يمكنني إعطاء رأيي الشخصي البسيط، والمتمثل في القول بأن هذه الحجة تعتبر حجة مغلوطة وغير مقبولة. لأنها قائمة على أساس غير صحيح، حيث إني أعتقد بأن الإنسان الذي قَبِل بأن يعيش في دولة ما، ورضي بأن يكون أحد مواطنيها والمستفيدين من خدماتها وخيراتها المتنوعة، فالواجب عليه أن يقبل بما يراه أهل الحل والعقد منهم في اختيارهم لمن يحكمهم. ومخالفة الشخص لهذا الخيار أمر غير وارد وغير مقبول، ولا يمكن الاعتداد به أو الاستناد إليه، لأن المشاركة في الأوطان يجب أن تكون مشاركة كاملة، لا يمكن أن يأخذ منها جزء ويترك منها جزء آخر.

(4)

بشكلٍ عملي، أعتقد أن المبايعة الحقيقية للمواطن اليوم، تكمن في كثير من الأمور، التي يستطيع الإنسان أن يحافظ بها على وطنه وبلاده ومواردها المتعددة، وهي كثيرة ومتنوعة. هذه بعض منها:

- التعلم بشكل أكبر، فالتعليم يصنع أجيالاً يبنون الوطن ولا يهدمونه.

- العمل والعمل وإتقان العمل، لأن الاستهانة بالأعمال البسيطة، استهانة في أجزاء من التنمية الشاملة للوطن.

- التربية الصحيحة للأبناء على حب أوطانهم وقادتهم وعلمائهم وكبرائهم.

- صيانة الموارد الحكومية وحفظ المال العام.

- عدم المساس بالعلماء وأهل العلم أياً كانت تخصصاتهم، بل الحرص على توقيرهم واحترامهم.

- عدم الاستماع للأصوات التي تعادي الوطن وقادته، وتحرض على التخريب والفوضى.

- احترام الأنظمة الحكومية وعدم تجاوزها وتخطيها.

- دعم الموارد الوطنية والمساهمة في تنمية أبناء الوطن.

في ظني أن التمسك بمثل هذه الأمور وبغيرها من الأعمال الجليلة، يعتبر فعلياً هو المبايعة الحقيقية لولي الأمر على السمع والطاعة، والعيش بالمواطنة الصحيحة في هذا الوطن العظيم.

(5)

حفظ الله لنا مليكنا وولي عهده، وأدام الله على هذا الوطن أمنه واستقراره، وزاده الله خيراً على خير، وبارك الله لشعبه في موارده وخيراته، وجعلهم دوماً من الحامدين الشاكرين الممتنين لنعمته وفضله، فبالشكر تدوم النعم.