بالقرب من إحدى محطات الوقود، استوقفني (بنقالي) يوما ليغسل زجاج سيارتي مقابل 5 ريالات، وبعدها سافرت لقضاء شهر العسل، وعدت من شهر العسل وبدأ شهر تقطيع البصل وبدأ كورونا، وتم فرض الحظر الجزئي والكلي وحتى «المعياري»، وأتى رمضان وفازت (مرزوقة) على (أبو قحط)، وتخطت وفيات كورونا حاجز المليون، وتغير وجه العالم و«قفاه» وكل شيء تقريبا، إلا ملابس وكمامة هذا البنقالي الذي يتسولني كل مرة ليغسل بالماء زجاج سيارتي حفاظا على ماء وجهه من التسول «الحقيقي». وبالمختصر فهذا (البنقالي) «باع ما وراه ودونه» ليصل إلى المملكة في بداية ديسمبر الماضي، ليعمل سائق شاحنة في إحدى كبريات شركات المستلزمات الطبية على مستوى المملكة (وهذه القطاعات حصلت على أعلى ربحية مع جائحة كورونا)، ولأنه رسب في امتحان رخصة القيادة فقد تم رميه في سكن على أطراف المدينة لمدة 3 أشهر وبعدها تم طرده من قبل صاحب السكن لأنه انتهى الإيجار الذي دفعته عنه الشركة، ومن ثم عاش مشردا ينام في بهو مسجد قريب منه لمدة شهرين، وبعدها قام أبناء جلدته بمساعدته في الأكل والنوم في انتظار أن تحن عليه هذه الشركة وتتفضل مشكورة بتوفير قيمة تذكرة له للرجوع إلى دياره، ولكن الشركة تركته منذ وصوله ولمدة 9 أشهر بلا مرتب ثم قامت بالإبلاغ عنه (بالهروب) لتتكفل الحكومة مشكورة بالقبض عليه و«تزفيره» إلى بلاده، وبهذا وفرت الشركة قيمة تذكرته ورواتبه المتأخرة. وبعد تواصل «فاعلي الخير» مع الرئيس التنفيذي لهذه الشركة، قال: (نحن لا نظلم أحدا ولا نأكل مال أحد، فلدينا أكثر من 8000 عامل وهذا العامل تم الإبلاغ عنه بالهروب قبل 5 أشهر)، أما مدير الموارد البشرية هناك فيقول إن عدد العمال أكثر من 10.000، وأنه تم رفع بلاغ الهروب منذ 3 أشهر، وهذه المعلومات المتناقضة بينهم توضح أن «الشق أكبر الرُّقعة» بالنسبة لبقية العمال الآخرين، ولكنهم اتفقوا على جملة واحدة وهي (نحن نرفع شهريا لنظام حماية الأجور بكشوفات الرواتب لجميع موظفينا مما يجعلنا متأكدين أنه استلم جميع مرتباته ولو كانت هناك لديه شكوى فعليه التوجه إلى الهيئة الابتدائية أو حتى العليا لحل الخلافات العمالية)، فقط لأنهم يثقون أنه في حال ثبت أمام وزارة الموارد البشرية عدم استلام هذا العامل لمرتبه طوال تلك المدة فلن تقول لهم الوزارة سوى ادفعوا له (وبس)، وكأن الـ 11 شهرا التي قضاها هذا البنقالي في التشرد والتسول والخوف لا تعني شيئا، خصوصا أنه لا يجد تكاليف معيشته اليومية فكيف يكون قادرا على توفير مصاريف التنقل لتقديم شكوى تمتد لعدة أشهر، وهذا يستوجب تحركا مشتركا بين كلٍ من وزارة الموارد البشرية وهيئة حقوق الإنسان، لوضع حلول جذرية للحد من ذلك، وقد يكون بوضع خط مجاني يرد على الحالات المشابهة بعدة لغات كالبنقالية والهندية والأوردية وغيرها من اللغات المتواجدة في بلادنا بكثرة، ويمكن أن توزع منشورات لذلك فور وصول العامل للمطار توضح له حقوقه. ما أريد قوله إن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حديثه الأخير تطرق إلى تصحيح أوضاع أكثر من نصف مليون أجنبي، والحكومة جادة في تطبيق مبدأ العدالة بما يكفل للعامل حقه ويبعده عن دهاليز الإتجار بالبشر أو إهانته أو عدم التقيد بالقوانين التي جُعلت لحمايته، وبالتأكيد أن قصة هذا العامل ليست الوحيدة ولكنها ومثيلاتها (سبب كافٍ لإلغاء نظام الكفالة).