كان لضبة بن إد ابنان يقال لأحدهما سعد وللآخر سعيد، وكان يحبهما حبا جما، وفي ذات يوم خرج ضبة يرعى بإبل له فنفرت الإبل تحت الظلام، فطلب من ابنيه سعدا وسعيدا أن يذهبا في طلب الإبل فلما ذهبا، وجدها سعد وردها لأبيه أما سعيد فمضى بعيدا وكان عليه بردان جديدان فلقيه الحارث بن كعب فقتله وأخذ برديه. فما كان من ضبة إلا أنه إذا أمسى ورأى شبحا قادما قال: أسعد أم سعيد فذهبت مثلا يضرب في النجاح وخيبة الأمل.

ثم مكث ضبة حتى موسم الحج فلقي في سوق عكاظ الحارث بن كعب، ورأى عليه بردي ولده فسأله عن أمرهما، فأخبره أنه قتل صاحبهما وسلبه إياهما، فسأله ضبة أبسيفك هذا قتلته؟، قال نعم، فقال له أرنيه فإني أظنه سيفا صارما، فأعطاه الحارث سيفه وهو لا يعرف أن ضبة هو والد قتيله، فلما أخذ ضبة السيف وهزه قال (إن الحديث ذو شجون)، فذهبت مثلا في أن الحديث يجر بعضه بعضا، ويقلب على صاحبه المواجع والشجن. ثم أن ضبة ضرب الحارث بذلك السيف، فأرداه قتيلا، فأخذ الناس يلومونه لقتل غريمه بالشهر الحرام، فقال لهم (سبق السيف العذل)، فأصبح مثلا للاستعجال في الأمر وعدم التدبر والتفكر قبل اتخاذ القرار.

عندما نقل الهدهد إلى نبي الله سليمان قصة القوم الذين يعبدون الشمس ويشركون بالله، كان عليه السلام مترويا في حكمه غير مستعجل في إصدار قراره (قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين). ولعل هذه القاعدة التي يجب أن ينهجها الجميع في وجوب التأني والتروي والتثبت عند سماع الأخبار، ومعرفة هل هي حقيقة أم شائعات.

ورغم أن ردة فعل ضبة على مقتل ولده، قد تكون ردة فعل مبررة، حركها الغضب وذكريات فقدان الولد، ففي المقابل نجد في قصة قيس بن عاصم كيف للحلم أن يحكم أفعال الرجال في أصعب المواقف وأكثرها إيلاما.

قيل للأحنف ممن تعلمت الحلم؟، فقال من قيس بن عاصم رأيته جالسا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه، يحدث قومه فأتوه برجل مكتوف، ورجل مقتول، فقيل له هذا ابن أخيك قد قتل ابنك. فوالله ما حل حبوته ولا قطع حديثه، ثم التفت إلى ابن أخيه، وقال يا ابن أخي أسأت إلى رحمك وقتلت ابن عمك، ثم قال لابن آخر له، قم فحل وثاق ابن عمك، وادفن أخاك وسق إلى أمه مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة.

تجد في الحياة أحيانا من لا هم له إلا معاداة الآخرين وانتقاصهم واستفزازهم من خلال التسلق على نجاحاتهم، أو محاولة جذبهم إلى مستواه العاجز. والإنسان الواثق لا يتأثر بذلك.

وعندما يستطيعون النيل من شخص ما فإما أنه غير قادر على التحكم بمشاعره وتصرفاته، أو يفتقد إلى مهارات التعامل مع أصحاب الإساءة. ولهذا على الشخص أن يكون معتزا بشخصيته، مترفعا بخلقه، نائيا بنفسه عن مواقع الخلل، مسيطرا على مشاعره من سرعة الغضب، متأنيا في ردة فعله، محكما عقله في كل قرار.