بين التعبير عن المشاعر في الأفراح أو الأتراح، وبين التهديد المباشر لحياة الأبرياء، انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة إطلاق الرصاص الحي العشوائي، بالطرقات والأحياء السكنية إما لإثبات الذات أو التباهي أو اللامبالاة أو لأسباب أخرى من بعض الطائشين والمراهقين دون التفكير في العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن إطلاق الأعيرة النارية وتعريض الأرواح للخطر المباشر.

وسط تلك السلوكيات المرفوضة علت مطالبات بوضع حد لاستمرارها، من خلال تطبيق الأنظمة الصارمة بحق المخالفين، وزيادة تثقيف المجتمع لرفع درجة الوعي.

حوادث ومآسٍ

في حادثة سابقة أصيب رضيع يبلغ من العمر عامين ونصف العام بجروح خطيرة جراء سقوط طلقة نارية طائشة أطلقت في مناسبة زواج بقرية أبو حجر التابعة لمحافظة صامطة جنوب جازان، وفي أخرى نجح فريق طبي في مدينة الملك فهد الطبية، بقيادة استشاري جراحة الأطفال الدكتور عبدالوهاب الجباب، في استخراج عيار ناري استقرّ في ظهر طفل يبلغ من العمر 8 سنوات، كان العيار الناري الناجم عن إطلاق نار عشوائي قد استقر في ظهر الطفل لمسافة 5 سم من العمود الفقري، كما تمكّن فريق طبي بمدينة الملك فهد الطبية من إنقاذ حياة فتاة تعرّضت لإصابة بعيار ناري انطلق من إحدى مناسبات الأعراس بوادي الدواسر.

وكانت الفتاة برفقة والديها في إحدى الاستراحات المجاورة لموقع المناسبة، حيث أصابها العيار الناري واستقر في رأسها، ما استدعى نقلها على وجه السرعة للمستشفى.

وخلال الشهر المنصرم تم القبض على أشخاص ظهروا في مقطع فيديو يطلقون أعيرة نارية في الهواء من أسلحة بحوزتهم خلال سيرهم بمركباتهم بالطرق العامة، وداخل أحد أحياء شرق مدينة الرياض، وكذلك فعل شاب وفتاة إذ أشهرا السلاح على أحد سالكي الطرق العامة بالطائف، وتمكنت الجهات الأمنية من تحديد هوية مطلقي النار، وتم القبض عليهم، واتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم.

عقوبات

المادة 41 من قانون الأسلحة والذخائر تنص على المعاقبة «بالسجن مدة لا تتجاوز سنة، وبغرامة لا تزيد على 5 آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من ثبت عليه «استعمال السلاح المرخص له بحمله واقتنائه في غير الغرض المرخص له به، أو أنه سمح لغيره باستعمال السلاح المرخص له به، أو استعمال غيره للسلاح نتيجة إهماله».

تحولات كبيرة

يقول أستاذ الأدب والنقد المساعد بجامعة نجران الدكتور نايف بن عبدالله الحازمي: في حين تمر الأمم الإنسانية بأزمات متتالية، ويشهد العالم تحولات كبيرة في مجالات مختلفة، وتمخض الإنسانية نكبات تتطلب الوقوف والتفكير والتأني، وإعمال الذاتية الفردية والجماعية وتوظيفها في المصلحة الوطنية العليا، ما زلنا نجد طغمة من البشرية يكسوها الجهل أو يغطيها التجاهل والسفه؛ لا يكترثون بمحيطهم، ولا يتعظون بما يدور حولهم، أسرتهم العنجهية الذاتية، وعظم في ذواتهم الأنا المتعالي، حتى أصبحوا أُسارى لتفكير تليد عقيم، لا يستطيعون الخروج من أزماتهم النفسية إلا بممارسة بعض العادات التقليدية البائدة التي تدل على ضعف ثقافي ونفسي معًا.

خلل نفسي

أضاف الحازمي: إن ظاهرة إطلاق النار وإرعاب الآمنين، وتشويه صورة المجتمع أمام الحواضر الأخرى لدليل على أننا مازلنا بحاجة إلى مراجعة أنفسنا، والاعتراف بوجود خلل نفسي لدى بعض أفراد المجتمع يحتاج إلى تكاتف من الجميع، وإنارة الثقافة الحضارية للمجتمع السعودي الأصيل، والتوعية الأسرية الدؤوبة بضرر انتشار مثل هذه الظواهر الممقوتة، والعمل التوعوي المستمر، فالشعور الذي يحس به مرتكب مثل هذا الفعل المشين منبعث من إحساس بالنقص التكويني الذاتي، ولا يزال ذلك الشعور البغيض ملازم لصاحبه حتى يتلقى الإشباع التوعوي الأسري المجتمعي، وهنا نشيد بالجهود التي تبذلها الدولة في مكافحة هذا المرض النفسي العضال، لكن هل من رادع لمثل هؤلاء الذين ما زالوا في غيهم يعمهون؟.

توجيه الشباب

المشرف التربوي محسن حمد آل قدرة قال: إن ظاهرة إطلاق النار في الشوارع العامة وفي الحفلات والمناسبات لأي سبب كان، انتشرت في مختلف المناطق رغم الجهود التوجيهية والعقابية التي تبذلها الحكومة للقضاء عليها أو على الأقل الحد من انتشارها، كما يوجد الكثير من الأهالي والمواطنين الذين يبذلون جهدًا سواء بالنصح أو منع الشباب وغيرهم من إطلاق النار لأي سبب من الأسباب إلا أنه يوجد في المجتمع أشخاص وجماعات من محبي ومشجعي عادة إطلاق النار في أي مناسبة، كما أن تواجد السلاح بحوزة بعض الشباب أو المراهقين باستمرار يؤدي إلى تصادمات ومشاجرات يستخدم فيها السلاح الناري فتحدث أمور لا تحمد عقباها وتؤدي إلى مزيد من الفرقة والتباغض.

مركب نقص

يقول المواطن محمد آل هتيلة: إن هذه العادة يجب أن تنتهي لما لها من أضرار ملموسة وعواقب وخيمة، فيما يرى نايف عبدالله الحربي أن العقوبة ليست حلًا دائمًا طالما هناك سلاح بيد المستهترين بأرواح الأبرياء، وطالب المختصين من علماء نفس وباحثين في مجال الإعلام بتسليط مزيد من الضوء على هذه الظاهرة وتقديم رؤىً علمية حول سبل التغلب عليها والحد من آثارها.

رأي مخالف

يرى الشاعر مهدي آل حيدر الوايلي أن حمل السلاح وإطلاق النار من «الأمور الجميلة» ولا عيب في ذلك، وإن كان في استخدامه بعض الطيش والتجاوزات من لدى البعض لذا أرى ومن وجهة نظر خاصة أن تلزم الدولة مواطنيها بدورات تدريبية في الطرق الصحيحة لاستخدام السلاح والآمنة لهم ولغيرهم، فيما شدد أحمد عيضة آل داشل، على أن ظاهرة إطلاق النار فيها خطر على سلامة المجتمع، ولا يوجد أمان فيها، ويشهد بهذا حوادث صارت في مناسبات كان فيها ضحايا لمطلقي النار، كما أن فيها خطرا أيضًا على المجاورين والقريبين لقاعات الأفراح وأجزم بأن الكثير يستخدمها بداعي التباهي وإثبات الذات.

أسباب وحلول

أكد حسين أبو طالب الشريف، أن إطلاق النار العشوائي في الأماكن العامة ظاهرة ليست بجديدة ولكنها تتطور إلى الأسوأ رغم ما تقوم به الجهات الرسمية من جهود، فيما وصف عبدالله صالح الفقير الظاهرة بما يُسمى بـ«مرض شوفوني»، أنا عشريني اشتدّ ساعدي وها أنا ذا أحمل السلاح.

طرق الحد من ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية

- إلزام قصور الأفراح بالإبلاغ الفوري عن أي شخص يحمل سلاحا ناريا.

- فرض العقوبات النظامية بحق صاحب المناسبة في حال حصل إطلاق نار.

- متابعة مواقع التجمعات الشبابية.

- رفع ثقافة الناشئة لتجنب الوقوع في مثل هذه الأخطاء.

- تفعيل دور الإعلام في نشر التوعية بمخاطر هذه الظاهرة