بوجوه شاحبة وشعر أشعث وأجساد هزيلة وذابلة أنهكها التعب تكسوها ملابس رثة، يجوب مرضى نفسيون ومختلون عقليا الشوارع، مستلقين على الأرصفة حينا وجنبات صناديق القمامة حينا آخر، يختبئون تحت الكباري من تقلبات الجو التي تنهش ما تبقى من أجسادهم المتهالكة، يتسولون من المارة، يتواجدون في الكثير من مدن المملكة، خصوصا المناطق الكبرى منها كالرياض وجدة، وتحولوا إلى مصدر خطر ومشاكل قد تتطور لتتحول إلى حوادث مأساوية وجرائم باتت حديث المجالس.

التحدي الأكبر

يقول استشاري الطب النفسي بمجمع إرادة والصحة النفسية بنجران الدكتور نشأت عبدالفضيل: يمثل المرضى النفسيون الهائمون في الشوارع تحديا كبيرا على مقدمي الرعاية الصحية النفسية وعلى أسرهم وعلى الأجهزة الأمنية بل على المجتمع بأكمله، وعندما يكون هؤلاء المرضى بعيدين عن المنزل أو عن أماكن علاجهم في المستشفيات والعيادات النفسية قد يكونون عرضة للاعتداء النفسي والجسدي، أو ربما حتى للاعتداء الجنسي، كما يمثلون هم أنفسهم خطورة على أنفسهم وعلى الآخرين، وذلك لعدم انتظامهم على علاجاتهم وتفاقم الأعراض النفسية لديهم، وما يصاحب ذلك من اضطرابات شديدة في المشاعر والسلوك والأفكار.

الفصام والخرف

أضاف عبدالفضيل: في الدراسات العلمية في مختلف دول العالم وجد أن أكثر التشخيصات شيوعا بين المرضى النفسيين الهائمين بالشوارع هي الاضطرابات الذهنية، وخاصة مرض الفصام واضطرابات خرف الشيخوخة واضطرابات المزاج، إضافة إلى الاضطرابات الانشقاقية واضطرابات سوء استخدام المواد ذات التأثير النفسي (المواد المخدرة) وأن أكثر الأسباب شيوعا‏ لهذه الظاهرة هو انتكاس الاضطراب النفسي لدى هؤلاء المرضى، إضافة للأعراض النفسية يعاني هؤلاء المرضى من أمراض عضوية وجسدية شديدة مثل أمراض سوء التغذية والإصابة بالفيروسات المختلفة وتفاقم الأمراض العضوية لديهم مثل ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري لعدم انتظامهم على علاجات تلك الأمراض.

خطر جسيم

يقول استشاري الطب النفسي، إن الهائمين بالشوارع موضوع بالغ في الأهمية، ولابد أن يدرك المجتمع أن وجودهم له خطر جسيم على جميع أفراد المجتمع بمختلف فِئاته، وأنهم يشكلون منظرا غير حضاري للبلاد، وهم أمانة في أعناقنا جميعًا ونحن مسؤولون عنهم بجميع فئاتنا مسؤولية كاملة، وذلك بالإبلاغ عنهم للجهات المعنية في الدولة مثل الشرطة، وهي المسؤولة عن تحويلهم للشؤون الاجتماعية. ودعا إلى تبني الدولة هؤلاء وإنشاء دار رعاية لهم وإيوائهم وتوفير مستلزمات المعيشة لهم من مأكل ومشرب وملبس وتعليم وتوجيه وتأهيل. وأوضح أن المشكلة تكمن في تركهم في الشوارع يهيمون فيها دون رقيب ولا حسيب، حيث إن البعض منهم يُدخل المستشفى وما أن يتم إعطائهم بعض العقاقير يتم إخراجهم بحجة أن المستشفيات النفسية قليلة، وأن الأسرة لا تكفي للجميع، فيما تناست بعض إدارات المستشفيات ضرورة العلاج النفسي والسلوكي لهم.

الأعراض النفسية

عن الأعراض النفسية التي يعاني منها هؤلاء التائهون، قال عبدالفضيل: منها اﻷرق، القلق، عدم الثقة بالنفس، التوهان المستمر، الاضطرابات الذهنية المزمنة، مشيرا إلى أنهم فاقدو الأهلية؛ إذ لا يدركون ولا يعون ماذا يفعلون ولا ماذا يقولون، ومن هؤلاء من تسأله عن حاله فتستغرب من إجابته لأنهم يعتقدون أنهم على صواب لما يفعلونه ويقولونه وأنهم أفضل الناس، إن أغلبهم انطوائيون أو تجد البعض منهم يتهجم عليك لوجود حالة من الجنون لديهم والبعض الآخر يعتقد أنك سوف تقلق منامه أو أنك تتعدى على ممتلكاته التي وضعها في فكره.

جريمة قتل

في وقت سابق شرعت الأجهزة الأمنية المختصة، في شرطة منطقة الرياض، تحقيقاتها مع مواطن أربعيني بتهمة قتل مقيم من الجنسية الآسيوية بعد أن سدد له طعنات عدة وسط الشارع في حي السويدي غرب العاصمة، وجاءت عملية القبض بعدما تلقت غرفة العمليات في دوريات الأمن بلاغاً عن مشاهدة مواطن يسدد طعنات إلى أحد المارة في الشارع. وعلى الفور هرعت دوريات الأمن إلى الموقع وألقت القبض على القاتل، وكشفت التحقيقات الأولية أن الجاني من مدمني المخدرات الذين يعانون من أمراض نفسية، وكان يلقب في الحي بـ «أبو ملعقة».

يذكر أن سكان حي السويدي الغربي قدموا بلاغات عدة إلى الجهات المعنية تخوفاً من مخاطر الجاني على سكان الحي، وطلبوا نقله إلى مستشفى الأمل أو دور الرعاية الاجتماعية إلا أن هذه الطلبات لم تتجاوب معها أي جهة معنية حتى صُدم سكان الحي بالجريمة البشعة على يد «أبو ملعقة».


قتل شقيقه

لقي مواطن ثلاثيني مصرعه على يد شقيقه في إحدى قرى محافظة العارضة في منطقة جازان إثر خلاف بينهما، حيث سدد شقيقه طعنة نافذة إلى بطنه أودت بحياته، وألقت الشرطة القبض على الجاني وبحوزته السكين المستخدمة في الجريمة، فيما أفادت معلومات أن الجاني في العقد الثالث من عمره، ويعاني اعتلالات نفسية ومتعطل عن العمل وغير متزوج، وبينت التحقيقات أن الجاني من أرباب السوابق بتعاطي المخدرات، وسبق أن دخل المستشفى لتلقي العلاج نتيجة اعتلال نفسي كان يعاني منه.

اتفاق لنقل المرضى

كانت وزارتا الداخلية والصحة، وجمعية الهلال الأحمر السعودي، توصلوا إلى اتفاق يضمن تطبيق آلية لنقل المرضى النفسيين المتهيجين الرافضين للعلاج إلى المنشآت العلاجية النفسية، ويقع على عاتق وزارة الداخلية مسؤولية الاستجابة لأي استدعاء من الهلال الأحمر عند مقاومة المريض المتهيج الخطِر الذي يحمل سلاحًا أو سكينًا للتعامل معه، وفقًا لما ورد في مسؤوليات الهلال الأحمر.

مخاوف من الاعتداء

تقول أم محمد من محافظة جدة: خرجت من بيتي متوجهة للسيارة وتفاجأت بشخص معروف في المنطقة أنه يعاني من اعتلال عقلي، وكان يسير في الشارع دون ملابس، فخفت وعدت مهرولة إلى المنزل سريعا، فيما قالت سارة بينما كانت هي وأختها متوجهتان بالسيارة إلى أحد الأماكن وجدوا شخصا يقف على الرصيف يتحدث تارة مع نفسه وتارة يحاول أن يخلع ثيابه من فوقه.

كما سرد عدد من الأشخاص مواقف مشابهة حدثت لهم، وكان العامل المشترك بين القصص هو عدم معرفتهم بكيفية التعامل الصحيح مع هذه الحالات -إن وجدت- وكذلك الخوف من أن يقوم هؤلاء الأشخاص بالاعتداء عليهم.


ظاهرة عالمية

يقول استشاري الطب النفسي بمجمع إرادة والصحة النفسية -خدمات الصحة النفسية- بجدة الدكتور سهيل عبدالحميد خان إن ظاهرة (الهائمين على وجوههم) هي ظاهرة عالمية لم تنجُ منها أي دولة من دول العالم، وحسب الدراسات فإن أصحاب هذه الفئة هم إما من ذوي الأمراض النفسية الذهانية المزمنة كالفصام العقلي، أو من فئة مدمني المخدرات بالتحديد الكحوليات، بالنسبة لأغلب الحالات لدينا في المملكة هم من الفئة الأولى وهم مرضى الفصام، مع العلم أن الفصام درجات، وتوجد بعض أنواع الفصام الذي يستجيب ويتحسن بالعلاج والمتابعة، مشيرا إلى أنه في حال الفصام بسبب إدمان المخدرات أو الكحول تكون الحالة أكثر سوءا ويصاحبها فقدان متطرد متواصل للقدرات العقلية أو وظائف العقل، كما أشار خان إلى أن حالات الفصام ليست كلها تستدعي التنويم أو البقاء في المستشفيات بل على العكس ففي البروتوكولات العلاجية لمرضى الفصام أن يكون العلاج بمشاركة الأسرة بعد أن يتلقى العلاج المناسب وتنتفي منه الخطورة.

وقوع الخطر

حول ما إن كان هؤلاء من ذوي الاعتلالات الذهنية يشكلون خطورة على أنفسهم وعلى الآخرين، بيّن خان أن مرضى الفصام هم ضحايا لعنف وإهمال، كما أنهم يشكلون خطورة على الآخرين في بعض الأحيان، لكن الخوف من وقوع الخطر عليهم أكبر من الخوف من إلحاق الأذى بغيرهم.

وعن كيفية التعامل معهم، وما هي الجهات التي يتواصل معها الأشخاص في حال عدم سيطرة الأهل عليهم، أوضح خان أنه في هذه الحالات يتم التواصل مع الدوريات الأمنية والهلال الأحمر، وأشار خان إلى وجود مجمع إرادة والصحة النفسية بجدة والذي يخدم مدينة جدة والقرى والهجر التابعة لها، ويضم 125 سريرا مخصصا فقط لمثل هذه الحالات، وجاري العمل على زيادة السعة السريرية.


مسؤولية الأهل

حول وجود مسؤولية قانونية قد تطال سكان الحي في حال علمهم بوجود شخص من ذوي الاعتلالات الذهنية وعدم تبليغهم للجهات مع علمهم بأنه قد يشكل خطرا في هذه الحالة، أوضح المحامي نايف آل منسي، هنا المسؤولية لا تقع على أهل الحي إنما تقع على ذوي هؤلاء الأشخاص في مسألة إهمالهم، فلا ينبغي من الأساس أن يتم إطلاقهم، كذلك تجب المحاسبة في حال تبيّن الإهمال من قِبَل من تسبب في إهمال رعاية هذا الشخص، وإن عجز الأهل عن الرعاية يجب حينها أن يبلغوا للجهات المختصة ويخبروهم بعدم قدرتهم على رعاية هذا الشخص وذلك لإخلاء مسؤوليتهم، وذكر آل منسي في هذا الصدد قصة إحدى الحالات التي قام فيها أحد المصابين بهذه الاعتلالات العقلية بجريمة قتل، حيث سرق سلاحاً ثم أطلق النار على أحد الأشخاص ولقي حتفه.

وأشار آل منسي إلى أنه توجد إشكالية أخرى وهي أن الأهل في بعض الأحيان قد يتعذرّون بعد وجود أماكن شاغرة في المستشفيات المسؤولة عن استقبال مثل هذه الحالات، وفي هذه الحالة إن وقعت جريمة الكل مسؤول وكل من أهمل حينها مستحق للعقوبة.


الذُهان

- هو مصطلح في الطب النفسي للحالات العقلية التي يحدث فيها خلل

- الأشخاص الذين يعانون من الذهان قد يتعرضون لنوبات هلوسة

- يتعلقون بمعتقدات توهمية «توهمات ارتيابية»

- يمرون بحالات من تغيير الشخصية مع مظاهر تفكير مفكك

- تترافق الحالات غالباً مع انعدام رؤية الطبيعة الاعتيادية لهذه التصرفات

- صعوبات في التفاعل الاجتماعي مع الأشخاص الآخرين

- خلل في أداء المهام اليومية

- فقدان الاتصال مع الواقع

- قد تشمل الأعراض رؤية أو سماع أشياء لا يراها الآخرون

- تشمل الأعراض الأخرى عدم اتساق الكلام

- السلوك غير المناسب للمواقف الاجتماعية المعتادة