في حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قبل بضعة أسابيع، والذي تحدث فيه بالأرقام عما تحقق من إنجازات خلال السنوات الماضية، قد أستشف منه ثلاث رسائل، وهذا هو فهمي الشخصي لحديث الأمير.

تكلم الأمير بلغة الأرقام وركز عليها، وكما هو معروف أن الأرقام لا تجامل أحدا، وكذلك هي لغة عالمية مفهومة للجميع، بغض النظر عن الخلفيات، كما أن لغة الأرقام تحمل دلائل ملموسة، فيكون تأثيرها أكبر على المتلقي.

بغض النظر عن الترتيب، ولكن الرسائل الثلاث التي استشففناها، وسأبدأ من الخارج إلى الداخل كالتالي:

رسالة للعالم الخارجي من دول العالم، وحكوماته ورجال المال والأعمال، والمؤسسات المالية العالمية عن المملكة، والتقدم الذي حدث فيها باللغة التي يفهمها العالم واللغة التي لا تحمل تأويلات، إن الرؤية أنتجت هذا القدر من التقدم خلال القدر من الزمن، ويمكنكم من خلال المعادلات الاقتصادية حساب ما سنصل إليه في السنوات الماضية، وأن الرؤية ليست مجرد أمنيات بل أفعال و أرقام وجهد ملموس.

الرسالة الثانية موجهة لمسؤولي الدولة، وخصوصا كبار المسؤولين والوزراء في الدولة، وخصوصا بعد توجيه ولي العهد للمسؤولين بعقد مؤتمرات دورية، للتواصل ولإطلاع المواطنين على التقدم والمعلومات كل فيما يخصه، وأعتقد أن ولي العهد سنَّ سُنةً للمسؤولين أن يكون حديثهم مليئا بالأرقام والأدلة، وليس حديثا إنشائيا، كما نرى من بعض المسؤولين، سابقا كنا نطالب المسؤولين عندما يخرجون للجمهور، بذكر كلام مفيد ملموس مدعم بالأرقام، حاليا نقول لهم ببساطة تحدثوا كما تحدث الأمير محمد بن سلمان بالأرقام.

الرسالة الثالثة وهي الأهم، وهي موجهة للمواطنين، كانت اللغة في حديث الأمير محمد سهلة الهضم، وأيضا مدعمة بالأرقام للمقارنة، أين كنا قبل الرؤية؟ وأين وصلنا حاليا؟ وإلى أين سنصل؟ لكي يطمئن المواطن على التقدم الحاصل، وكمثال واحد «رؤية 2030 بأننا سنسعى لرفع نسبة تملك المواطنين للمسكن 5% خلال 4 سنوات،» أما الآن «لكننا اليوم وصلنا إلى 60%، متجاوزين الهدف بـ8 %»

كان حديث الأمير محمد يحمل حصيلة كبيرة من المعلومات والأرقام، تساعد الشخص على إظهار الوجه المشرق للرؤية، وأيضا حصيلة مقنعة لأي مناظرة أو نقاش، مع بعض الصحفيين الغربيين، الذين نتناقش معهم بشكل مستمر، لكن وأكرر كلمة «لكن» تفاجأت بردود بعض الإعلاميين السعوديين على حديث سمو الأمير!! ردود بعضهم من قبيل شيء رائع وحديث جميل إلخ..، كأنها تأدية واجب، وهذه الردود ممكن تقبلها من العامة ومن الناس، أما الإعلامي فيجب أن يكون طرحه أكثر تحليلا وأكثر إبداعا، والتطرق للموضوع من زوايا مختلفة! كمثال واحد لفت نظري ويهمني جدا في حديث ولي العهد، هو مكافحة الفساد، وأنه سرطان يضيع سنويا من 5-15 % من ميزانية الدولة!!

توقعت أن أجد إعلاميا نشطا، يحلل الموضوع، فميزانية الدولة ومصروفاتها خلال 15 سنة من 2000-2015 مثلا مجموعها حوالي 9 تريليونات ريال، ومن باب التبسيط لو أخذنا معدل الفساد كان 10% فإننا نتكلم عن 900 مليار تقريبا فسادا وأيضا من باب التبسيط، إذا حسبنا التضخم خلال نفس الفترة 15 سنة، وبما أن الريال مرتبط مع الدولار فنحن نتكلم عن تضخم حوالي 37%، فإن مجموع ما استحوذ عليه الفساد حوالي 1233 مليار ريال «طبعا هذه حسبة مبسطة» هل عزيزي القارئ ممكن أن تتخيل 1233 مليارا ماذا كانت ستعمل في الوطن؟! وهذه الأموال أكلها الفاسدون، هي من حقك ومن تنمية بلادك! أي ما يعادل أكثر من ميزانية الدولة في أحد الأعوام، وأي ما يعادل تقريبا بناء مليون و644 ألف منزل، إذا قلنا إن المنزل يكلف 750 ألفا، ولو كل منزل سكنه 5 أشخاص فأنت تتكلم عن إسكان 8.2 ملايين سعودي! وهذه الـ1233 مليارا التي اغتصبها الفاسدون ممكن أن تنشئ 822 ألف سرير طبي «إذا حسبنا أن السرير يكلف مليونا ونصف المليون» أي ما يعادل تقريبا عشرة أضعاف عدد الأسرة الطبية الحالية، ونحن لا نحتاج تقريبا إلا إلى مضاعفة العدد الحالي لخدمة الناس، وليس عشرة أضعاف. أمور ومشاريع كبرى وجبارة، ممكن أن تتخيل أن يتم إنشاؤها بمبلغ 1.233 تريليون من بنية تحتية وخلق وظائف وغيره، ماذا لو تم استثمارها حول العالم، كم المردود سيكون؟ أسئلة كثيرة وأجوبة أكثر.

لكن مع كل هذه الاحتمالات أعلاه، وهذا جزء يسير جدا، من تصريح ولي العهد، لم أجد تفاعلا محترفا من بعض الصحفيين، فما بالك بقية الحديث؟!.

- نود أن نرى وجوها سعودية شابة أو دماء جديدة، تقود المشهد الإعلامي السعودي من خلال كفاءتها، وليس علاقاتها لنخلق المنافسة بالإعلام، لا يوجد أفضل من المنافسة لزيادة الكفاءة والإبداع، الإعلام هو صناعة بحد ذاته، وكما تعلمون في التجارة والصناعة لا يوجد محفز مثل المنافسة العادلة.