يحتفل العالم، غدا الخميس، باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي بات مناسبة سنوية منذ 1950، يحيي فيها العالم مسيرة المدافعين عن قيم الحرية والكرامة والمساواة على مر العصور، والتي توجت بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948، ليكون لبنة في منظومة الجهود العالمية التي تسعى لضمان حد أدنى من الحقوق لجميع البشر، وصياغتها في وثائق مكتوبة، بعضها استرشادي مثل الإعلانات والمدونات وقواعد السلوك، وبعضها ملزم مثل الاتفاقيات الدولية.

لم تعد قضية الالتزام بحقوق الإنسان في هذا العصر خيارا يمكن أن يتجاوزه البعض، بل أصبحت التزاما لا يمكن الفكاك منه، وعلى الرغم من وقوع تجاوزات أو غض الدول العظمى طرفها عن بعض الانتهاكات التي يشهدها العالم، مراعاة لحسابات سياسية، فإن ذلك يبقى استثناء وليس قاعدة، بل إن من يتمكن من الهروب اليوم من مسؤولياته عن تلك الانتهاكات سيجد نفسه عرضة للمساءلة في أي لحظة.

وقد عملت الأمم المتحدة وكثير من الدول على ترسيخ مفاهيم ومسؤولية واحترام حقوق الإنسان، لتصبح واجبا يقع على عاتق جميع الناس، بحيث يتوجب على الجميع القيام بعمل ما يصب في النهاية في مجال حقوق الإنسان مثل الدفاع عن حقوق أحد اللاجئين أو المهاجرين أو الأشخاص ذوي الإعاقة أو النساء والأطفال أو أي شخص آخر يعاني خطر التمييز أو العنف.

منذ توحيدها على يد الملك المؤسس المغفور له - بإذن الله - عبدالعزيز آل سعود، أبدت المملكة التزاما واضحا بحقوق الإنسان، وعملت على تعزيزها، وتشددت في مراعاتها وفرض احترامها، لأن تلك القيم المثلى من صميم ما جاءت به الشريعة الإسلامية التي اتخذتها هذه البلاد دستورا ونظاما للحكم، لذلك أخذت المملكة هذا الأمر على محمل الجد، وتمسكت بالحفاظ على تلك الحقوق مهما تكن الظروف والملابسات، حتى أصبحت صيانة حقوق الإنسان بمفهومها الشامل الواسع، وتعزيزها ومنع التغول عليها ليست مجرد شعارات بل واقعا على الأرض، تعززه الأحداث وتؤكده الوقائع.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الاهتمام السعودي بقضية حقوق الإنسان لم يكن نتاجا للرغبة في مسايرة المجتمع الدولي أو استجابة لضغوط، بل هو نهج اختطته الدولة منذ تأسيسها، حيث نص النظام الأساسي - صراحة - في المادة الثامنة على أن الحكم في المملكة يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة بين الناس. وأكدت المادة «26» أن الدولة «تحمي حقوق الإنسان وفقًا للشريعة الإسلامية». وأوضحت المادة «36» أن توفر الدولة الأمن لجميع المواطنين والمقيمين، ولا يجوز تقييد تصرفات أحدهم أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام، كذلك تشير المادة «37» إلى حرمة المساكن، وعدم دخولها بغير إذن صاحبها، ولا تفتيشها إلا في حالة معينة يبينها النظام. كما تشدد المادة «38» على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو نظامي.

لذلك حرصت المملكة على التوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مع تحفظها على المادة «16» التي تنص على حق الرجل والمرأة «متى أدركا سن البلوغ في الزواج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين»، وعلى المادة «18» التي تنص على «حرية الإنسان في تغيير دينه أو معتقده، وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعة وأمام الملأ أو على حدة»، وذلك لتعارضهما مع مبادئ الإسلام، وهو الموقف الذي سارت عليه غالبية الدول العربية والإسلامية.

وحرصا على ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان، تم تضمين مادة ضمن المناهج الدراسية لمساعدة الأطفال والشباب على استيعابها، وجعلها جزءا من ثقافة المجتمع الأصيلة، لأن ذلك هو الطريق الأقصر والأقل كلفة لتعزيز مشاعر الولاء للوطن والانتماء للمجتمع، بما يؤدي إلى احترام الكرامة الإنسانية، والتعايش والعمل المشترك، لتحقيق الصالح العام.

وأنجزت بلادنا في العهد الحالي، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله، أكبر ثورة تشريعية في تاريخها بهدف إكمال منظومتها التشريعية، حيث تم إقرار وتعديل العديد من القوانين والأنظمة التي تحمي حقوق الأفراد والمجتمعات. هذه الجهود انعكست على تعديل نظام الأحداث، الذي نص على منع الحكم بالإعدام أو بأي عقوبات بدنية على الأشخاص الذين لم يبلغوا سن الرشد، بالإضافة إلى تعديل أنظمة المرور ووثائق السفر والأحوال المدنية والعمل بما يكفل ويصون حقوق المرأة، إلى جانب إنشاء المحاكم المتخصصة، لتوحيد جهات التقاضي.

خلال أزمة كورونا، التي يعيشها العالم حاليا، ضربت بلادنا أروع الأمثلة في احترام حقوق الإنسان وتطبيقها على أرض الواقع، فكانت معظم قراراتها متسقة تماما مع تلك القيم النبيلة، بدءا من إتاحة المعلومات للمجتمع كاملة، وتوفير العلاج المجاني للجميع بدون تمييز، مواطنين ومقيمين، حتى إن المخالفين أنظمة الإقامة شملتهم العناية السعودية وتلقوا العلاج، كذلك سعت المملكة، من واقع رئاستها الدورة الحالية لمجموعة دول العشرين، لمساعدة الدول الأقل نموا في مواجهة آثار الجائحة على اقتصاداتها، وقدمت تبرعات بمبالغ كبيرة من أجل المساعدة في إيجاد العلاج الذي يحمي البشرية من خطر الفيروس.

تلك الجهود أثمرت عن دخول المملكة قائمة من 36 دولة أكملت الإيفاء بتعهداتها المتعلقة بحقوق الإنسان، من جملة 197 دولة، وهي نتيجة مشرفة وتدعو للفخر، ولم يتحقق ذلك إلا بعد عمل جاد وجهود متواصلة، شاركت فيها كل الجهات ذات الصلة بدعم لا محدود من القيادة الحكيمة، مع سعي حثيث متواصل لاحتلال مراتب أكثر تقدما، ومواصلة السير في الطريق الذي رسمته «رؤية المملكة 2030»، لتصبح المملكة هي الدولة الأكثر ريادة على مستوى العالم في مجال حقوق الإنسان.