يستلهم الكاتب مقالاته - عادة - إما من قراءاته أو يومياته، ولكنه في حالة اليوميات وعشرات المواقف التي يتعرض لها أو يشاهدها أو يسمعها، فإنه قد يحتار عن ماذا يكتب!.

قبل كتابة مقالي هذا جاءني تردد وأصابتني حيرة، هل أكتب عن تلك الجميلة الحسناء التي لست أدري كيف دخلت قلبي؟ أم عن الرحلة السعيدة مع الأصدقاء الطيبين؟ أم عن روعة الطقس في مدينة الرياض هذه الأيام؟ أم عن ذلك الشاب الشهم المعطاء الذي ترى في وجهه مستقبلا زاهرا لوطنٍ عظيم؟ أم عن كاتب مبدع أهداني كتابا قيما مثله؟.

ولكني أحيانا لا أجيد الكتابة في الجوانب الإيجابية، فأوجه البوصلة للاتجاه الساخر والنقد، فهل أكتب عن عامل البوفيه الذي يلبس القفازات كـ«إجراء وقائي»، ثم يلمس بها الطعام والنقود ويحك رأسه ويعبث بأنفه؟ أو عن ذاك الذي باغتته العطسة، فنزع الكمامة بسرعة وعطس بشدة ٦ درجات على مقياس ريختر غير آبه بأحد، ثم أعاد كمامته إلى مكانها الصحيح؟

أو عن اثنين تجادلا في أمرٍ وكررا عبارة «أحترم رأيك»، وبعد أن افترقا سمعت كلا منهما يستهزئ برأي صاحبه؟ أو عن ذبابة لعينة حامت فوق رأسي؟ فأيقنت أن السعادة قد تنغص بأتفه الأشياء.

أم عن صديقٍ «شنب» يلعب «ببجي»، ويتفاعل معها بطريقة غريبة مبالغ فيها، ثم يتحدثون عن أثر الألعاب في «الأطفال»!

أو أنتقل بكم إلى البؤس، فأحكي لكم عن امرأة وقفت في منتصف الشارع مع طفلتها تستنجد بالناس أن يخلصوها من عنف زوجها؟ أو عن موظفٍ أصيب بما يسمى «الاحتراق الوظيفي»، أو عن مراهق طائش ما زال يقود سيارته بتهور، غير مبالٍ بالأنظمة التي وضعت من أجل سلامته وسلامة المجتمع، حتى تسبب في حادثٍ أفقده الحركة، وعن مغترب اشتاق لأهله، وعن مريض يتألم من عجز الأطباء عن مداواته.

لا أدري ماذا أكتب.. هل أسخر من نفسي؟ عن جوالي الذي صرت أبحث عنه وهو في يدي؟! عن القطة التي أفزعتني عندما رميت الزبالة فقفزت في وجهي وانقطع قلبي وربما نسلي؟!.

عن غرفتي الفوضوية؟ عن حالة النسيان التي تجعلني أتعرف على شخص وفي اليوم الثاني أقابله فأسأله: ما تعرفنا على الأخ الكريم؟.

عن اللامبالاة حين أتناول في عز البرد الآيس كريم.. وأسمع فيروز آخر الليل وأشاهد مسلسلا أعرف بدايته ونهايته!

هل أحكي لكم عن كآبة عشتها وفرج بعد شدة، وترقب منتظر وألم أعقبه أمل؟

ثم إنني تذكرت أن الكتابة بذاتها شفاء وراحة بغض النظر عن المضمون، فأتيت بالورقة وصرت أخربش.