كانوا يملؤون الصحف ووسائل الإعلام ضجيجا، تتصدر صورهم الصفحات الأولى، والنشرات الإخبارية الرئيسة في الأوقات المهمة.

شكلوا في العالم العربي والمحيط القريب أكثر من زعماء، قفزوا على كل أشكال الرمزية، وقد تكون لا تزال رمزية بعضهم باقية حتى الآن، على الأقل لدى الفلول، وبقايا مؤيدي مشروع الوحدة والقومية والأمة العربية الواحدة، ذات الرسالة الخالدة.

كان حافظ الأسد أشرس الحكام العرب في التفاصيل الدقيقة، إن خرج منه المفاوض وقد حصل على موافقةٍ معينةٍ على أمرٍ مُعين، كُتب له النصر، حتى ان كان عسيراً في التفاوض، وذلك حسب شهادة الشهود من الساسة الكبار، إلا أنه إن وعد أوفى.

كان غير مُحبب لدوائر صناعة القرار في واشنطن، وكان «الصديق اللدود» للوسيط الفرنسي، كونه الأنشط في الزاوية الجغرافية السورية اللبنانية.

كان جاك شيراك وسيطاً بين واشنطن ودمشق، وصديقاً لرفيق الحريري الذي تم اغتياله بمجرد وفاة الأسد الأب وتولي الابن مقاليد الحكم في سورية.

وفي الطرف الآخر من الخارطة، كان صدام حسين حاكماً ذا شعارات، بعضها عُروبي، والآخر شعبوي. حارب الإيرانيين ودعمه الخليج برُمته.

ونشط إعلام صدام حسين في تضميد جراح الأكراد الذين اكتووا بنار المخابرات الصدامية، ووثق زياراته ومواساته لهم في تكريت. لكن الجراح كانت أكبر من زيارة وأكبر من رسالة اعتذار، بقي في النفوس ما بقي، ربما حتى الآن.

وفي ليلةٍ ظلماء دخل الدولة الجارة، وخلط أوراق المنطقة.

رفع في وجوه الخليجيين السلاح ذاته الذي مولوه به لمواجهة العدو الفارسي، وانعزل النظام الصدامي عن المنطقة، والأمة، والعالم.

كان الأسد وصدام حسين يُجسدان أو يُكرسان للوحدة العربية، لحقا جمال عبدالناصر، وانتقلت عدواهما لياسر عرفات الذي كان يجول الأرض بطائراتٍ خاصة مُستعارة، أغلبها من الخليج كزعيم دون دولة، ودون أرض، ودون شعب. اشتهر بالقُبل والرقص، والملف المفترض له حبيس الأدراج. واندفع حتى بارك غزو دولة الكويت، والاعتداء على أطراف من المملكة.

ذهب إلى بغداد فرحاً مُباركاً بالانشقاق الذي أقدم عليه صدام حسين في تلك الفترة التاريخية وتسبب بشرخ للأمة.

وصلت الشعارات العروبية والوحدوية التي انطلقت من دمشق وبغداد، خيمة القذافي في باب العزيزية. تغذى هو الآخر على تلك الشعارات، واستكبر في أزمة لوكربي حتى بلغ الأمر لأن يطلق على شخصه لقب ملك ملوك إفريقيا. وهذا نوعٌ من الاستعلاء الذي قام على شعارات الوحدة العربية، التي يكرس لها الوحدويون العرب سورية والعراق ولبنان وفلسطين والقاهرة لاحقاً.

كان القذافي يرى نفسه الصوت الأعلى لمحاربة ما يسميه الإمبريالية الأمريكية والاستكبار الأوروبي، وكان بالمقابل أضعفها. وكان يحاول تعويض عقدة النقص بالبهرجة، إذ كما يروي شهود، أنه أمر يوماً ما بإطفاء الإنارة القريبة من خيمته لاستقبال موكب يحمل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، في محاولة منه لأن يدب الرعب في قلب ذاك الرجل، وهو ما حدث بالفعل.

وبلغت أيضاً دعوات الوحدة الحاكم المُطلق الذي اشتهر بالرقص على رؤوس الثعابين، علي عبدالله صالح في اليمن. زرت صنعاء في عهده مرتين. وكانت جدران العاصمة تحتوي عبارة كتبها من سئموا عهده وشعارته «ارحل ارحل يا عفاش».

عفاش كنايةً عن أحد أجداد علي صالح. وعُدت إلى صنعاء بعد أن انتفض ضده الشعب اليمني، حينها كنت صحافياً لا أُبالي. أذكر حينها قال لي أحد أصدقائي المسؤولين في رئاسة الوزراء «خاضت الدولة قرابة خمس حروب ضد تنظيم القاعدة. هرب من أعتى السجون اليمنية أشرس المُنتمين لتنظيم القاعدة. وكانت الصدمة في معاقل تنظيم القاعدة الذين حاربتهم الدولة، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، أن وجدنا أن المؤسسة التي تمول الجيش اليمني بالتموين الغذائي، هي ذاتها التي تمول تنظيم القاعدة».!

لم أستعجب وأنا قبل ذلك مررت ومعي بضعة مُرافقين، بشارعٍ في العاصمة صنعاء، يحتوي على كل أنواع الأسلحة، حتى مُضاد الطائرات كان في مُتناول يدي.!

شهدت بعض تاريخ هؤلاء، وقرأت البعض الآخر منه، جميعهم فشلوا في السياسة والقبول، وربما الوفاء إلا حافظ الأسد، فقد كان حاكماً على رغم أنه قدم لحكم سورية على ظهر دبابة بانقلاب إبان كان وزيراً للدفاع، يُعاونه رئيس الأركان مصطفى طلاس، سُمي بالحركة التصحيحية عام 1970، إلا أنه يُعتبر الأوفى للحلفاء والأكثر مصداقية في الوعود، وفي الخواتيم العبر.

فبقية الرفاق تم القبض على أحدهم في حُفرةٍ أقصى العاصمة التي أطلق منها صواريخه على الرياض، بعد أن منحتها له المملكة ودفعت ثمنها، للحفاظ على وجوده.

وملك ملوك إفريقيا ذهب ضحيةً لأحد مقاتلي الزنتان بعد أن تم العثور عليه في 20 أكتوبر 2012 في أحد الأنفاق. وعرفات قيل إنه مات مسموماً وأشك في ذلك، وأعتقد أنها محاولة لخلق هالة من الرمزية حول شخصه.

وعلي عبدالله صالح ذهب ضحيةً لموكبٍ كشف إحداثياته مقاتلو الحوثي الذين حاربهم وعاد للتحالف معهم. تمنيت لو كان هؤلاء ممن لم يُحققوا وحدةً على نطاق واسع في العالم العربي، ولم يُخلّفوا لدولهم أبسط صور الديمقراطية المزعومة التي طالما اعتبروها نبراساً لأنظمة حكمهم، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات المعروفة نتائجها مسبقاً، تمنيت أن أعرف ماذا سيُخالجهم من شعورٍ لو علموا، أن أحد وزراء الحكومة البريطانية إبان فترة توني بلير، امتدح قوام الملكة التي تحكم إنجلترا ودول الكومنولث لأكثر من 70 عاماً، وأصبح امتداح الوزير لقامة الملكة عنواناً للصحف البريطانية.

هرول الرجل للاتصال بالقصر الملكي مقدماً عبارات الاعتذار، أجابت الملكة «على العكس، منذ زمن طويل لم أسمع هذا الإطراء اللطيف».!

أعتقد أن بقاءهم أمواتا أفضل كثيرا من الأمنيات الخاصة بي.. وبشعوبهم.