قديمة ومتصلة هي المعركة التي يخوضها رئيس معهد العالم العربي الوزير السابق، جاك لانغ، لتدريس اللغة العربية في المدارس الوطنية الفرنسية. ونظرا لكوننا لا نرى شيئا يلوح في الأفق ليعد بالنصر أو ينذر بالخسارة فإن المعركة لا تخلو من مسحة دونكيشوتية مثيرة للإعجاب والاحترام في الوقت نفسه. هذا ما نتبينه في حوار مكثف أجرته معه أخيرا جريدة ليبراسيون كرر فيه مبررات بسطها في كتاب صدر له بداية العام الحالي فقررت ترجمته وينتظر صدوره قريبا فيما آمل. فالإطار العام للقضية هو ضرورة الوعي بأهمية التعدد اللغوي معرفيا وفكريا وتربويا خاصة في عالم الغد الذي سيكون فيه اللسان الناطق بغير لغة تملك ذخيرة فعالة لدى أي شاب أو شابة يبحث عن العمل خارج إطار دولته القومية. فمع كل ما يقال عن هيمنة اللغة الإنجليزية، ومعها بضع لغات أخرى، إلا أن لغات آسيوية كبرى ستظل حية قوية بين أهلها ونافعة في أسواق العمل في كل أنحاء العالم. وإلى هذا البعد الكوني نجد الرئيس المثقف يلح على عدم الفصل بين تعليم العربية في فرنسا والفرنسية في العالم العربي لأن الأمر يتعلق بمعركة واحدة في العمق. فاللغتان عريقتان غنيتان جذابتان لكنهما تعانيان تراجعات مستمرة متزايدة أمام لغات أخرى في مقدمتها الإنجليزية، التي توشك أن تكون لغة الشباب هنا وهناك وفي كل بلدان العالم. من هنا فإن تعليم العربية في المدرسة الوطنية الفرنسية، وبدءا من المراحل الأولى، هو فرصة يجب أن تتاح لكل تلميذ، فوق أنه حق أساسي للطالبات والطلاب من أصول عربية مهاجرة أو مهجرة. وبالمثل فإن تعليم الفرنسية في معاهدنا وجامعاتنا هو مكون إستراتيجي في السياسة الفرانكفونية، ولا بد أن يعزز العلاقات الثقافية والاقتصادية التي ربطت ما بين عديد البلدان العربية وفرنسا من قبل وأكثر من غيرها، كما هي حال دول شمال إفريقيا وبلاد الشام وجزئيا مصر. الإطار الثالث هو الأصغر أو الأضيق لكنه قد يكون الأكبر أهمية والأكثر مردودية. فالرئيس ممن يرى أن تعليم العربية في المدرسة الوطنية، ضمن مناهج متطورة وتحت أنظار معلمين وإداريين أكفاء هو الطريق الوحيد لإسهام المؤسسة التربوية الفرنسية في مقاومة نزعات التطرف وما قد تولده أو تبرره من جرائم الإرهاب التي عاناها ويعانيها الجميع. وهذا تحديدا ما تجهله أو تتجاهله قوى اليمين المتطرف ومعها أطياف واسعة من أتباع الإيديولوجيات الوطنية التي تؤمن بهوية فرنسا صافية من كل أثر خارجي، وخاصة الأثر العربي الذي أصبح يهددها وينذر بانتحار حضارة جميلة على يدي أبنائها، كما يذهب إليه إريك زمور، الخصم العنيد لجاك لانغ، وأمثاله. وفي كل حال نختم بملاحظتين تطلان على أفق أكثر واقعية ووضوحا. الأولى أن الرئيس – الوزير والدبلوماسي المحنك يعرف جيدا أن نهاية المعركة لن تكون قريبة وعليه فلا بديل أفضل عنده من دعم مركز اللغة العربية بمعهد العالم العربي، خاصة ونحن جميعا نسعى لإنشاء مبنى كبير مستقل أمام المعهد يسمى بيت اللغة العربية.