بعد قرار المؤتمر العام لـ«يونسكو» في أكتوبر 2005، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 16 أيار/مايو 2007، أن عام 2008 هو «عام دولي للغات».

يأتي ذلك بسبب تفاقم الأخطار المحدقة بالتنوع اللغوي، فاللغات وسيلة جوهرية للتواصل بأنواعه كافة، والتواصل هو ما يجعل التغيير والتطور ممكنا في المجتمع البشري، حيث إن استخدام لغة معينة أو عدم استخدامها كفيل بفتح الأبواب أو سدها أمام شرائح واسعة من المجتمع في شتى أنحاء العالم، واليوم العالمي للغة العربية، الذي يحتفل به كل عام في الـ18 من ديسمبر، يوم ذكرى لاعتماد «العربية» من بين لغات العمل العالمية، وهي إحدى اللغات الست التي تستخدم في اجتماعات المنظمة العالمية، وتكتب بواسطتها جميع الوثائق الرسمية، وتعد من ضمن مجموعة اللغات السامية الأكثر تحدثا، وإحدى أكثر اللغات انتشارا في العالم، إذ يستخدمها قرابة بليوني نسمة من مسلمي العالم من مجموع الـ7 بلايين نسمة في دول العالم ككل.

الغريب أن كثيرا ممن يتعاملون تعاملا إلكترونيا، سواء أفرادا أو منظمات في الوطن العربي، يتجاهلون اللغة العربية.

يحدث ذلك عندما توضع اللغة العربية «لغة ثانية» في حين أن جميع العاملين وزوار المواقع هم ممن يتحدثون «العربية»، ويلاحظ ذلك جليا في غالبية المواقع الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية التى تبتدأ صفحتها الأولى بلغة غير العربية.

هذا أيضا يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي حين يدون اسم المستخدم باللغة اللاتينية مع وجود خاصية استخدام الحروف العربية. والغريب أيضا أن بعض الكتابات والتعليقات أخذت تكتب بحروف «لاتينية» بينما معناها هو عربي، حيث أُدخلت عليها حروف وأرقام تدلل على معنى الكلمة التي يستصعب استخدامها مع الحروف اللاتينية.

أما الأغرب حالا فهو عند العرب في دول المهجر، حيث يصل الأمر إلى حد الرثاء، فالعربية لدى المهاجرين العرب لا تكاد تستخدم إلا قليلا في المنازل أو لمهاتفة ذويهم في الوطن العربي، أي محادثة فقط لا غير، والذرية في هذا الجانب تكتسب لغة مكسرة، وربما ساعد على ذلك إغلاق المدارس العربية في بعض الدول الغربية.

لهذا يأتي هذا اليوم ليعزز من مكانة اللغة العربية لدى الجمهور العربي وغير العربي، لاستخدام هذه اللغة العريقة، لغة الشعر والإبداع والتذوق، التي تتميز بقدرتها على التعريب واحتواء الألفاظ من اللغات الأخرى، وفيها خاصية الترادف والتضاد والمشتركات اللفظية. وتتميز كذلك بظاهرة المجاز والطباق والجناس والمقابلة والسجع والتشبيه، وكذلك الفنون اللفظية مثل البلاغة والفصاحة.

وما تحويه من محسنات حاليا بوسائط الترجمة على الإنترنت يتيح التخاطب باللغات العالمية بتلقائية، فحين تتراسل فوريا مع شخص في البرازيل فهو يكتب بلغته وأنت بلغتك، بينما تجرى الوسائط الترجمة السريعة والمباشرة، للحصول على تفاهم فعال بين الطرفين، وهذه الميزة منعت اندثار الكثير من اللغات.

هذه الذكرى تعيد الاهتمام مجددا باللغة العربية، التى هي ليست لإضافة معلومة لثقافتك فقط بل في غالب الظن أنها تحتاج إلى فعل، سواء صغر ذلك الفعل أم كبر، فاللغة العربية خادمة للكلم مطاوعة للمراد، كما أنها في الحقيقة مستوعبة كل شيء.