عندما يتم اختيار أحد المرشحين السعوديين لشغل أحد المناصب الدولية، أو عند السعي للحصول على عضوية في إحدى اللجان الدولية، يتبادر للذهن شيء واحد، ليس كفاءة المرشح، فلو لم يكن كفوءًا لما اختارته المملكة، وليس أيضًا أحقية المملكة في هذه اللجنة أو تلك، فالمملكة لها دور مهم وتاريخي في العمل والتعاون الدولي، لكن للأسف كل هذا لا يهم كثيرًا وعمليًا في منظور بعض الدول، بل ما يهم ويحدد كثيرًا من المناصب واللجان هو اللوبي الذي ستكونه أو كونته للحصول على هذا المنصب أو هذه العضوية !!

تكوين اللوبيات وتقاطع المصالح أصبح مجالا بحد ذاته له قواعده وأسراره وخبراته! للأسف عندما يعلن اسم مرشح نجد إعلامنا، وكثيرًا من حملاتنا محلية، وكأن المرشح سيترشح لشيء داخلي، وتذهب كثير من الموارد والجهود للمحلية، وللأسف حتى خطابنا تغلب عليه الصيغة المحلية، وكأننا نخاطب أنفسنا، بينما مفروض خطابنا يتحول إلى العالمية.

هذا ولدنا ونعرفه ونقف خلفه ونسانده، لذلك يجب التركيز على إقناع الآخرين بلغتهم وبأسلوبهم الذي يفهمونه وليس بالأسلوب المحلي، ففي نهاية اليوم نحن لدينا صوت واحد، ونحتاج لجمع أصوات الدول الأخرى لدعم ترشيحنا، وهنا يأتي مجال تكوين اللوبيات، وما أدراك ما تكوين اللوبيات؟! أصبح العالم لا يتحرك دون لوبيات في كل المجالات، من السياسة إلى الطاقة إلى السلاح إلى الدواء والإعلام، حتى منظمات حقوق الإنسان صارت لوبيات تدين وتمدح بناء على لوبيات ومصالح.

إنشاء اللوبيات ليس محصورًا فقط بشكل وقتي أو من أجل غرض محدد، بل قد يمتد لسنوات وعقود، فالدول والسفارات تنشئ لوبيات في الدول الكبرى، لحماية وتعزيز مصالحها، وأكبر مثال أمريكا، فهي أرض اللوبيات دون منازع، أيضا اللوبيات ليست حكرًا على الشؤون السياسية أو الرسمية، فهناك لوبيات لجميع مفاصل الحياة من السياسة للفن والأدب والرياضة..إلخ.

هل لدينا بعض المشاكل في تكوين اللوبيات، الإجابة نعم، خصوصًا إذا قارنا نتائج معينة، مثل الهجوم الإعلامي الغربي رغم الأداء الاستثنائي الرائع للمملكة في السنوات الأخيرة، للأسف مهما كان أداؤك جيدًا، إذا لم يخرجه الإعلام بالصورة المطلوبة، فلن يعرف الناس الفرق!

كانت لدينا مشكلة أننا نعتمد على شركات العلاقات العامة وتوقيع العقود معها، لكن لم تكن المتابعة بالشكل المطلوب، الآن أصبح واضحًا للجميع ضعف أداء شركات العلاقات العامة، إذ لم يكن هناك متابعة من السفارات، ويجب وضع خطة وأهداف معينة للوصول لها «تارجيت» وتحديد المجالات، إن طريقة العمل السابق من قبيل «وقع معهم وأرسل الشيك» ولا تسأل إلى أن يأتي موعد تجديد العقد، لم تعد مجدية، إن إنشاء أقسام في السفارات والوزارات لإدارة اللوبيات، وتحديد واجباتها وأهدافها والتنسيق بينها وتوقيتها وجعلها أكثر نفوذًا أصبح ضرورة، ويجب أن يكون العاملون في هذه الأقسام ممن يجيدون التعامل مع الآخر، ويوصلون الرسالة باحترافية، ويفهمون طريقة الآخر، حتى اللوبيات قد تكون مفيدة من خلال تكوين العلاقات، وليس شرطًا أن تكون شركات أو مؤسسات أو مراكز.

وسأعطي مثالًا عمليًا، معرفة مسؤولي المطار والهجرة في الدولة المضيفة، قد تحل مشاكل الرعايا بتليفون، بينما الصيغة التقليدية الرسمية «أرسل المحامي» قد تأخذ وقتًا، وقد تكبر حتى الأمور البسيطة لأنهم يشعرون أن الموضوع صار رسميًا وكل طرف يحاول يثبت أنه ليس على خطأ «وتجعل من الحبة قبة!»، مثال إحدى الدول الخليجية في إحدى البلدان الغربية، كانت واضعة مسؤولي المطار والهجرة «في الجيب»، كما يقول المثل، ولم تحصل أي مشاكل لرعاياهم، والموضوع بسيط كلها شوية عزايم وقهوة وتكوين صداقات ودعوات في أيام المناسبات والأعياد وكله نظامي، وهذا أفضل من جلب محام على كل قضية، والذي يعمل بالساعة، ويكبر الأمور بدل ما يصغرها حتى تزيد فاتورته.

كم عدد السفارات التي لديها ناس نشيطون يعرفون وينسجون علاقات مع رجال الإعلام والصحافة؟ وكم عدد السفارات التي لديها عدد من النشيطين الذين يقيمون علاقات وصداقات مع مراكز الفكر والدراسات التي تعطي توصيات واستشارات للحكومات؟

صارت عادة منذ سنوات عندما أكون في أي دولة أسال من السفير النشيط والذي له نفوذ وعلاقات، وتسمع إجابات مختلفة أو تكون متفقة، سفير الدولة الفلانية أو تلك، لا أريد أن أذكر سفاراتنا من أجل ألا يزعل أحد خصوصًا بعضهم زعلانيين من قبل، والصراحة نحن في رأس السنة ومزاجنا رايق ولا نريد شتايم!

لكن تكوين لوبيات محترفة وعلاقات أصبح عنصرًا أساسيًا في السياسة الدولية في كل المجالات، فالأفضل جلب محترفين وخبراء لخلق لوبيات سعودية في كل أنحاء الأرض وفي كل المجالات، ولا نفضل أصحاب التفكير المحلي، ولماذا نجرب المجرب! وهناك عدة أفكار قد لا يتسع المجال لذكرها، ربما في مقال قادم نتكلم كيف نبني «لوبيًا» محترفًا على شكل هرمي وذي تفرعات شجرية.

الشيء بالشيء يذكر عن مهارة المفاوضات، كتبنا عدة مقالات عن الخبث الإنجليزي في السياسة، ومنها مقال «الدهاء والمكر وبعض الخبث الإنجليزي في السياسة»، وغيره من المقالات، وتوقعاتنا أن ينتصر الإنجليز على الأوروبيين في المفاوضات، لكن لم أتوقع أن يكون بهذا الشكل، فقد كتبنا قبل حوالي 12 شهرًا «أعتقد أن الإنجليز كما يقول المثل: سيلعبون بالاتحاد الأوروبي على الشناكل، وما زلنا نذكر كيف عامل الأوروبيون بوريس جونسون بالمفاوضات بازدراء وتعالٍ قبل فوزه التاريخي الذي قلب الموازين، وسيرد الصاع، فالتاريخ علمنا أن الإنجليز لا ينسون».

أما نتيجة المفاوضات قبل أيام فكانت انتصار الإنجليز في %43 من القضايا! وتنازلات من الطرفين في %40 من القضايا، لكن عمليًا حتى في هذه الإنجليز منتصرون، فقد تنازلوا بأشياء بسيطة مقارنة بالأوروبيين، أما %17 التي يقال إن الأوروبيين، انتصروا فيها، فأغلبها أشياء غير هامة نسبيًا بما كسبه الإنجليز! فعلا أصحاب شارع الملك تشالز لا يعلى عليهم في الدهاء والخبث السياسي، لذلك تستعين بعض الدول ببعض المخضرمين والقدماء من شارع الملك تشالز في المفاوضات ومناوراتها.