الفرق بين الوضوح والعتمة أحيانا، قد لا يكون واضحا عند البعض، بسبب النظارة السوداء، التي يرتديها أولئك البعض، فيجعل المشهد مشوشا غير واضح الملامح.

كثير من النساء عندما أردن أن يتحلين بالموضوعية، واجهن العديد من المصاعب والتحديات، وخلال عقود مضت فقد العديد منهن طبيعتهن وهويتهن، وأصبحن حبيسات وأسيرات عادات المجتمع ومرحلة التشدد. كانت أقصى درجات الحرية لهن، أن يقال لها ذاكري وخذي الشهادة، فكان ذلك يعطي شعورا مبهجا وانطباعا بأن تلك أقصى مراحل الحرية للمرأة، ولكن هذه المساحة من الحرية، لم تسمح لنا برؤية حقيقتنا، وكم تأخرنا عن الآخرين. لا شك البعض منهن تأثر بسحر دعوات التحرر، فأخطأن الطريق وزلت اقدامهن عن المسار الصحيح، فخرجن على القانون ورحلن إلى المجهول، ووقعن فرائس الواقع المر في بلاد الغربة. والغالبية منهن اخترن الطريق الصحيح، وعرفن أن التغيير لا يكون بين ليلة وضحاها، وحصلن خلال السنوات الماضية على جميع حقوقهن، وأثبتت الأيام أن تلك المخاوف، التي كنا نحسبها ونرددها من انتشار الفساد، ليست سوى صدى في العقل الباطني، بسبب حالة التشدد والتشرد الذهني، الذي كنا نعيشه.

ظهور الحالات الشاذة بعد التغيير، ليست عذرا لتعميم تلك الحالات، وليست مبررا لإيقاف عجلة التغيير نحو مستقبل أفضل. قبل أيام تناول أحد المغردين في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، تعرضه لعملية ابتزاز بعد خروجه من المستشفى، إثر عارض صحي، وفي طريقه إلى البيت ومروره بأحد المواقع، كانت هناك سيارة تعيق الوقوف في المواقف، فاستخدم المنبه ليحث تلك السيارة على الابتعاد، ولكنه تفاجأ بخروج شابتين توجهتا إلى سيارته، وبدأتا في تصوير سيارته، ومن ثم اتهامهما لذلك المغرد بأنه كان يطاردهما ويتتبعهما منذ ساعتين، ولكنه لم يخف أمام ذلك الابتزاز، وقام بالتواصل مع الرقم 911 وقدم بلاغا ضد الشابتين، بأن تصويره يعد جريمة إلكترونية، بالإضافة إلى جريمة الاحتيال المالي والتحرش. ثم أوضح ذلك المغرد أنه بعد هذا الموقف، ورده العديد من الاستشارات حول هذا الموضوع. وحقيقة لجوء مثل هؤلاء الفتيات إلى أساليب النصب والاحتيال، هو أمر مؤلم، وقد يتناسون أن مساحة الحرية تزامنت مع تحسين النظام، والقانون الذي لا يفرق بين جنس وآخر، حال تجاوز تلك الأنظمة أو العبث بها.

ومثل هذه التصرفات يجب ألا تغير أو تبدل التعامل مع تلك المرأة، التي ما زالت هي الأم والأخت والزوجة والبنت، وألا تكون سببا للمبالغة في التعميم على البقية منهن. ورحم الله الشاعر أحمد شوقي، الذي أوضح انحياز اللغة العربية إلى تاء التأنيث، عرفانا بقيمتها وصونا لفضلها، فيقول الحرف بمحدوديته ذكر، واللغة بشمولها أنثى، والسجن بضيق مساحته ذكر، والحرية بفضائها أنثى، والبرد بلسعته ذكر، والحرارة بدفئها أنثى والجهل بكل خيباته ذكر، والمعرفة بعمقها أنثى، والتخلف برجعيته ذكر، والحضارة برقيها أنثى، والمرض بذاته ذكر، والصحة بعافيتها أنثى، والموت بحقيقته ذكر، والحياة بألوانها أنثى، والجحيم بناره ذكر، والجنة بنعيمها أنثى، والظلم بوحشيته ذكر، والعدالة بميزانها أنثى. ونختم بقول خير البشر «استوصوا بالنساء خيرا».