على محطة الزمن يقف عام 2020، منتظرا مرور آخر يوم تبقى له في أجندة أيامه، ليركب قطار الرحيل، بعد أن لملم أوراقه ووضعها داخل حقيبة الوقت الذي سيحتفظ بكل تفاصيل محتوياته، داخل أرشيف الذاكرة بذكريات محفورة من الصعب محو أثرها، ويقيدها كسنة مختلفة، حفرت تفاصيل أحداثها بكل الأحلام التي تبخرت، من حرارة جائحته التي ما زالت ساخنة، مع تلك الأماني التي دعمت بمواد حافظة من تفاؤل بقادم جميل، يحفظ لها بعد الأمل بالله طزاجتها. أحداث هذا العام وما فعله بنا بين عشية وضحاها لم يتوقعها أحد، فالعالم مرت به أحداث وأوبئة وحروب وصراعات، عرف العالم كيف يستوعبها ويتفاعل معها ويتجاوزها، بحيث تمضي دون أن تلقي بنفاياتها الضارة على مساحة الكرة الأرضية كاملة، فتصيبها بالشلل الكامل كما فعلت بنا كورونا.

لو عدنا بالذاكرة إلى بداية الأزمة، في استعراض سريع لأحداث العام، لوجدنا أن الأزمة بدأت بوباء مرعب، تابعنا آثار هجماته المخيفة من وراء شاشاتنا الكبيرة والصغيرة، بتوجس اقشعرت له أبداننا، مع استبعادنا أن يستطيع الفيروس القفز بشره فوق سورالصين العظيم، لينتشر انتشار النار في هشيم الدول والمجتمعات، فكانت الصدمة مع إلقاء اللوم على الصين وشعبها، وصب اللعنات على نمط حياتهم الغذائي المقزز. هي ردة الفعل الأولى من قسوة الواقع الصحي، الذي زار البشرية ككابوس في غفلة منام، لتستيقظ فتجده واقعاً معيشاً مع غياب المعلومة الطبية، والعجز عن مواجهة ذلك العدو الخفي، الذي تحدى كل الأنظمة الصحية، وجعلها تدور حول نفسها بعد استيعاب الوضع، وهي في صراع مع الزمن، بمحاولات جادة لفك شيفرة هذا الفيروس ومواجهته، لحماية البشر من شره.

بعد أن أفاق العالم من صدمة الواقع الفجائية، بدأت كل دولة تحاول مواجهة فيروس الموت والدمار حسب رؤاها الخاصة، مع استمرارها بالتعاون الطبي مع الدول الأخرى بجهود مشتركة، لمحاولة إيجاد لقاحات تقف بوجه كوفيد 19.

هنا.. في وطني المملكة العربية السعودية، عشنا ما عاشه العالم، ولكننا في اختبار مقياس التفوق في التصدي لجائحة كورونا، لنا في الصدارة مكان كبير، فمنذ 8 مارس الماضي صدرت قرارات كثيرة، طبية واقتصادية وتعليمية وغيرها، فرضت علينا أنظمة الحجر والعزل والتقنين في الذهاب والمجيء، مع رعاية من الدولة على أعلى مستوى لمن احتاج الرعاية، مع حزم صارم لا تراخى فيه، لكل من سولت له نفسه الاستهتار بأنظمة الحماية التي لا مجال للعبث فيها، ومنذ ذلك الحين ونحن نخوض غمار حياة جديدة علينا بالكامل.

مع نهاية هذا العام، الذي أبى أن يغادرنا دون رحمة من الله، أهدانا إياها، ومن خلالها لقاح الحياة والأمل والفرج بعد الشدة، ومع قرب نهاية الأزمة، يجب أن نقف وقفة تأمل، نشكر الله فيها على وطن بقيادة أعلت مصلحة المواطن والمقيم فوق كل مصلحة، وعملت بجد وصدق وعزم على بث الطمأنينة داخل حدود بلادنا، فعلقت الدوام الحكومي، وفرضت قيودا على القطاع الخاص، وتحملت التزامات للمحافظة على وظائف المواطنين، وواجهت بشجاعة وإيثار تحديات جعلتنا محل غبطة عالمية.

فلم يكن من السهل بين يوم وليلة أن تغلق الحدود الخارجية، وتُطْفَأ أنوار الحياة الاقتصادية والاجتماعية داخل أراضينا، ونصبح بلا تفاعلات مباشرة مع الآخرين، فلا أعمال ولا دراسة، ولا اجتماعات عائلية ولا صلاة في المساجد، ولا أي مظهر من مظاهر الحياة التى ما كانت أزمتنا ستمر لولا الله، ثم هذه الصرامة في الإجراءات.

عزلتنا والحزم في تطبيقها منحانا الوقت والهدوء والتركيز المطلوب، لننطلق ونحن مكبلين بظروف العزلة، فبدأ الجميع بالعمل عن بعد عبر منظومة تقنية فاعلة، أثبتت جدواها دون الحاجة للحضور أو الاختلاط. إجراءاتنا المدروسة منحتنا شهادات تفوق عالمية، أثبتنا من خلالها أننا نموذج يحتذى به، في مجال التعامل مع الأزمات في كل مجال.

فشكرا لأبطال الصحة وتفانيهم في التعامل مع المواطن والمقيم، وشكرا لرجال الأمن الذين واصلوا الليل بالنهار، من أجل ضبط منع التجوال والتعامل مع كل متهور، وحفظ الأمن وبث الطمأنينة في كل اتجاه، ولن ننسى التعليم وتعامله واستخدامه السريع لتقنيات العالم الافتراضي، حتى لا يتأخر أبناؤنا. شكرا لكل قطاع عام أو خاص وضع بصمته كي بتوفيق الله ننجو.

نجاحنا في اجتياز الجائحة تعدى المحلية إلى العالمية، فلم تستطع كورونا بفضل لله، ثم إصرار القيادة، الوقوف في وجه المملكة العربية السعودية، وهي تقدم نفسها كقائد للعالم من خلال مجموعة العشرين، وإدارتها لملفات القمة على مدى عام كامل، وحصدها لنجاحات متتالية، أنعشت العالم حين هلع وأصابه شلل تام.

لم يكن التحدي سهلاً، والاحترازات تعدت مرحلة الصعب إلى الصعوبة القصوى، ولكن النتيجة كانت مذهلة، حيث كنا من أقل الدول تضررا وتأثرا بالمرض ولله الحمد.

دروس الجائحة لم تنته، آخرها إلى وقت كتابة هذا المقال، كانت مبادرة سمو ولي العهد محمد بن سلمان، وعدد كبير من الأمراء والمسؤولين في أخذ اللقاح، كأول من يبادر، ليكونوا قدوة لنا، ومصدر اطمئنان في ظل انتشار الشائعات حول اللقاح. فشكرا وطني وشكرا قيادتي، وشكرا لكل مسؤول ولكل مواطن ساهم بوعيه أو جهده، حتى نخرج من هذه الجائحة بأقل الضرر.