نشأ وترعرع بحي الشامية بمكة المكرمة، وكان دائما ما يجالس كبار مؤدي فنون الصهبة والمجس والدانة، أمثال حسن لبني وعبدالله بصنوي وغيرهما. كان يشاركهم الغناء، فظهرت محاسن صوته الرفيع الذي ميزه عن أقرانه بالعذوبة، ما جعل كل من يتسامر معهم يشيرون إلى أن لداود هارون حسا فنيا وصوتا جيدا.

سفر وتعلق

في صباه كان دائما ما يشارك زملاءه بالمدرسة الإنشاد، ويكون في مقدمة الطلاب لقراءة القرآن بالإذاعة الصباحية، إضافة إلى الحفل المدرسي السنوي. في يوم من الأيام كان مسافرا برفقة والده إلى (المدينة المنورة) وهما في الطريق توقفا للاستراحة بأحد المقاهي، وشاهد رجلا يمسك بآلة العود، يعزف ويغني فتعلق قلبه بهذه الآلة، وما أن عاد من سفره إلى مكة حتى صنع عودا خاصا به بواسطة جالون بلاستيكي، ليعزف ما يشعر به من نغم وموسيقى.

هدية نجاح

لم يكن ذاك العود المصنوع بالجالون كفيلا بأن يلهم مخيلة داود الموسيقية، فقد عَلِم بعد نجاحه في الامتحانات النهائية، أن والده سيكافئه ويشتري له دراجة هوائية بخمسة وأربعين ريالا، فذهب إليه وطلب منه النقود لكي يشتري هديته بنفسه. وافق والده على رغبته، وذهب داود مع أصدقائه واشترى العود، بعد أن أكمل ثمنه من مصروف مدرسته الذي كان يجمعه، ليشتري أول عود يعانق أوتاره بكفيه، ويخفق بين جنبيه بدقات الموسيقى التي بداخله.

قصة حياتي

بدأ يجيد العزف على آلة العود، وأيضا مارس العزف على آلة الكمان مع أصدقائه، وكان - رحمه الله- سريع البديهة والحفظ.

وبدأ في مشاركة أصدقائه إحياء حفلات الزفاف والمناسبات الخاصة، وبدأ يأخذ مكانته ويزداد بريقه ونجاحه من حفل زفاف إلى آخر ما رشحه لأن يشارك في حفلات العيد بمسرح التلفزيون، وأطلق أول أغنية من ألحانه بعنوان (يا سمارة)، ولاقت نجاحا وانتشارا مقبولا ما دفع إدارة التلفزيون للسماح له بالمشاركة في العام التالي، ليغني أيضا من ألحانه (قصة حياتي)، كما قدم أول لحن لصديقه الفنان محمد السراج وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره بعنوان (كم أقولك كم).

فزعة جار

بعد النجاح الذي حققه في التلفزيون والمناسبات الخاصة، وصلت يوميته في الحفل إلى ألف ريال، بينما كان دخل الفرد في الفرقة حوالي 300 ريال. وذات ليلة خلد للنوم مبكراً، استعدادا للامتحان النهائي، ولكن جارا لهم طرق باب منزلهم وطلب من والده أن يسمح له بأن يحيي حفل زفاف ابنهم، بعد اعتذار الفنان الذي كان مقررا أن يحيي الليلة، فلم يرد والد داود الفرحة التي ملأت عيني جاره، فأيقظ ابنه الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، وطلب منه أن يغني ويعود إلى المنزل مسرعاً وسيكون برفقته أخيه الأكبر محمد لينام قليلا قبل موعد الاختبار، فزعة لحفل زفاف جارهم.

مدرس لا طالب

لم تقتصر نشاطات داود على الغناء في الأفراح والمناسبات والتلفزيون فحسب، بل انتقل إلى الطائف، وأصبح شبه مستقر فيها، وفتح محلاً لبيع شرائط الأغاني، إضافة إلى المشاركة في احتفالات الأهالي. لكنه لم يستمر، إذ أشار عليه أحد أصدقائه أن ينتقل إلى الرياض، ويقدم أوراقه لـ«معهد الأمن العام» ليتعلم الموسيقى العسكرية، وفعلا ذهب بعد أن أصبح فتيا لا يمسك بيد أبيه أو أخيه الأكبر، ودخل إلى اللجنة التي كان يرأسها العميد طارق عبدالحكيم وعزف وغنى، ولكن مهارات التقاسيم على آلة العود والتصوير أثناء العزف أبهرت طارق، وبعد أن انتهى من العزف نادى طارق على الموسيقي وعازف الكمان أحمد حفناوي قائلا: تعال يا أحمد واستمع إلى المواهب التي تحتضنها مملكتنا الغالية، واتفقت اللجنة على أن يكون داود مدرساً موسيقياً في المعهد وليس طالباً.

صقر قريش وعود السنباطي

بدأ داود هارون السفر إلى الدول العربية ليمثل السعودية في مسابقة التراث الشعبي على مستوى العالم العربي، وفي (مهرجان التراث الشعبي) بالجمهورية العراقية عام 1977، كان ترتيب السعودية متدنيا فأخبر طارق عبدالحكيم داود ورفاقه غاضبا، أن ترتيب السعودية متدن وعليهم العمل بجد أكثر ونشاط، فتقدم داود إلى المسرح وطلب من مقدم الحفل أن يقدمه للجمهور قائلاً: الآن مع قصيدة (صقر قريش) من كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي ألحان وغناء الفنان السعودي داود هارون، الذي تجلى بعزف اللحن ليقفز بترتيب السعودية إلى المركز الأول في المسابقة. يروي صديق الفنان (داود هارون)، سليمان جوهرجي أنهما حينما ذهبا إلى مصر والتقيا الموسيقار رياض السنباطي وحكيا له قصة المسابقة وما فعلته قصيدة (صقر قريش)، طلب منهما الاستماع إلى اللحن فغنى داود بألق شديد فقال له السنباطي بعد أن انتهى من غنائه: يا داود هذا العود لك، فلن يعزف عليه أحد سواك وأهداه عوده.

أنصفني من نفسك

تغنى داود هارون من كلمات عدد من الشعراء منهم أحمد شوقي، بيرم تونسي، إبراهيم خفاجي، ياسين سمكري وغيرهم من شعراء الأغنية، كما غنى من ألحانه الكثيرون من أبرزهم محمد عبده في أغنية (غيري أصاب) من كلمات خالد بن أحمد السديري. وكان داود محبا جدا لإبراهيم خفاجي، إذا التقى به لا يتركه أبدا، حتى قال له الخفاجي ذات يوم: يا أخي (أنصفني من نفسك) فقال له داود: «ايوه هي دي اللي أبغاها مطلع جميل للأغنية».

سليمان بن هارون عقيل فلمبان

اشتهر بـ(داود هارون)

ولد بمكة المكرمة عام 1948

توفي عام 2015