يدخل العالم العام الجديد 2021 الليلة، بعد عام كان مليئاً بتحديات عدة، ظهرت أبرزها في القطاعات الاقتصادية والتجارية والصحية؛ بسبب الواقع الجديد الذي خلّفته جائحة كورونا، والتي لم ينجُ اقتصاد أي دولة في العالم من آثارها، والتي أعادت تشكيل واقع جديد لجميع أنماط الحياة.

لقد اختلفت التأثيرات الاقتصادية، من دولة لأخرى، وذلك حسب واقعها ومعطياتها، وما تملكه من إمكانيات وقدرات على مواجهة التحديات والأزمات الطارئة، بجانب ما تملكه من مرونة في التعاطي مع الكوارث والأزمات التي تظهر بصورة طارئة.

وإذا ما استعرضنا بصورة مختصرة، أهم وأبرز التحديات فيما يتعلق بالجانب التشغيلي والمالي الذي حدث عند وقت الإغلاق الشامل، نجد أن أبرزها ما تمثل في تحدي استمرارية الأعمال، وذلك بهدف الحفاظ على أمرين مهمين: الأول ضمان استمرارية التدفق النقدي لتسيير الأعمال، والثاني الحفاظ على الوجود في السوق، والذي يضمن التواصل مع العملاء واستمرارية انسياب وتدفق السلع والخدمات.

هذا بالإضافة إلى التباطؤ في النمو الاقتصادي، في مختلف دول العالم، وزيادة معدلات الانكماش، لذلك فقد تعطلت إلى حد كبير جداً سلاسل الإمداد، إقليمياً وعالمياً، وبجانبها انخفضت أرباح قطاعات الأعمال، بصورة لم يسبق لها مثيل، حيث كان تأثير ذلك كبيراً حتى على الدول التي حاولت حماية اقتصادها، وبصورة عامة، فقد وصل الضرر للجميع، ولكن بنسب متفاوتة.

وبرزت قدرات متفاوتة للدول والمنشآت في إدارة الأزمة، حيث كانت بمثابة اختبار لإمكانيات وقدرات الجميع. ودون شك فإن كل من تعامل مع واقع الحال خلال فترة الإغلاق، استطاع أن يخفف من حدة الآثار السلبية لهذه الجائحة. بالإضافة إلى حجم الدروس المستفادة التي يمكن أخذها في الحسبان عند التخطيط المستقبلي.

ونحن نستعد لاستقبال العام الجديد والذي تدور التساؤلات حوله، هل سيشهد حالة من التعافي في العالم؟ أو يكون عاماً صعباً أيضا؟ أعتقد أن المهم هو استعداد الدول واقتصاداتها من خلال التخطيط المسبق لما يجب فعله تحت كل الظروف المتوقعة. ويمكن أن يكون ذلك من خلال النظر في الدروس والعمل بها، فعلى الجميع اتباع أسلوب العمل المرن، الذي يتطلب إعادة ترتيب الأولويات، وتغيير الإستراتيجيات، وذلك وفق المعطيات الحالية والتوقعات المستقبلية لواقع الحال.

وقد أظهرت الموازنة العامة للسنة المالية 2021 في المملكة العربية السعودية عزم الحكومة على تحقيق مستهدفاتها المالية والاجتماعية والاقتصادية، حيث قررت الحفاظ على مستوى مقارب من حيث الأولويات في الإنفاق العام للعام الماضي على الرغم من تقلبات سوق النفط، مع حفاظها على مستوى معين من المرونة المالية تحسباً لمواجهة أي صدمات اقتصادية محلية ودولية، ونلاحظ استمرار الحكومة في الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية ومواصلة دعمها للقطاعات الأكثر تضرراً، والتي ستخدم الاقتصاد في مرحلة التعافي والعودة إلى النمو التدريجي بمشيئة الله. بالإضافة إلى جهود القيادة الرامية لزيادة مشاركة القطاع الخاص باستمرار دعمه لتخفيف الضغوطات على هذا القطاع وتشغيله بالشكل الأمثل في هذه الظروف غير الاعتيادية.

وعلى الشركات بوجه عام أن تأخذ في الاعتبار أن إعادة ترتيب أولوياتها، وتعديل إستراتيجياتها، يتطلب إعادة تنظيم الإجراءات المالية والإدارية، وكذلك إعادة تحديد المجالات التي يمكن من خلالها توفير المدفوعات النقدية والتكاليف بدقة متناهية، أي على الشركات أن تقوم بمراجعة التدفق النقدي، والذي يشمل الموجودات المسالة وغير المسالة، بغرض تحقيق استخدام أكثر فعالية، وبصورة مثلى للتدفق النقدي المتوفر وغير المستخدم، وهذا سيضمن استمرارية الأعمال بصورة مقبولة، إلى حد ما.

وتأتي إدارة النقد بطريقة احترافية وأكثر فعالية، في مقدمة أولويات قطاع الأعمال، وهنا أقصد تحديداً الشركات، لأن هذا الأمر يضمن لها إلى حد كبير الاستمرار في أعمالها، ونيل ثقة عملائها، بجانب أنه يغرس الثقة في منسوبيها، ويحفزهم على العطاء المتواصل؛ لأنهم سيكونون قد تكيفوا مع نموذج العمل التجاري الجديد، مع الأخذ في الاعتبار المتطلبات النقدية بشكل كامل، وعدم إغفال مراجعة إستراتيجية إدارة النقد بشكل دوري وبصورة صارمة.

وهناك أمر في غاية الأهمية، يتعلق بضرورة استفادة الشركات إلى حد كبير من المبادرات التي أطلقتها الحكومة، والتي استهدفت التخفيف من الآثار الاقتصادية والتنموية على القطاع الخاص، سواء تمثل ذلك في الدعم المباشر، أو غير المباشر، أو التأجيل، أو التخفيض، فهي كلها تصب في إطار مساعدة القطاع الخاص على استمرارية أعماله.

والحمد لله، لدينا الكثير من نماذج الشركات التي استطاعت أن تضمن استمرارية أعمالها؛ لأنَّ إداراتها عملت على وضع مقاييس واضحة، كفلت لها ضمان التدفق النقدي، حيث أولت المتطلبات النقدية جل اهتمامها، وهي الركيزة التي تقوم عليها الشركات الناجحة.

ونحن نستعد لوداع هذا العام الذي كان مليئاً بالتحديات الجسيمة، نتطلع في الوقت ذاته لاستقبال عام جديد، لا تفصلنا عنه سوى أيام معدودات، ونطمح بأن يكون عاماً مليئاً بالإشراقات والخيرات والبركات، سائلين المولى عزّ وجل، أن يزيل عنا هذا الوباء والبلاء، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.