بمناسبة الإعلان عن آلية إحالة القضايا المرورية للنيابة العامة، تذكرت سؤالا وجه لسماحة، الشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمه الله تعالى، قال صاحبه: «شاءت مشيئة الله أن أتعرض لحادثةٍ بسيارتي، راح ضحيتها اثنان من الركاب الذين كانوا معي بالسيارة، واتضح أن السيارة التي داهمتنا هي التي وقع منها الخطأ؛ فهل عليَّ كفارة، لأن المتوفيين كانا معي بالسيارة، علمًا بأن الحادث لم يكن نتيجة خطأ مني، وذنبي أن المتوفيين كانا معي»..

فأجابه الشيخ قائلا: «قولك، شاءت مشيئة الله، ليس بسديد، والصواب أن تقول: شاء الله.. البعض يقول: شاءت الأقدار، شاء القدر، شاءت إرادة الله، كل هذا التعبير ليس بجيد، والواجب نسبة الأمور لله، فيقال: شاء الله، أو قضت حكمة الله كذا، أو قدر الله كذا؛ وفيما يتعلق بسؤالك فإنه لا شيء عليك، ما دام الخطأ من غيرك، وأنت مظلوم، فالكفارة والدية على الذي أخطأ عليك، ما دمت لزمت الطريق المعروف النظامي ولم تسرع، وإنما أخطأ عليك من صدمك، فالإثم عليه والكفارة عليه والدية عليه، أما أنت فليس عليك شيء، إذا كان الأمر كما قلت»، وأضاف سماحته بأن تقرير «المرور» معتبر، لأنهم مسؤولون، وهم الذين يعتمد عليهم.

السؤال السابق، أنموذج على ما يحدث كثيرًا في الطرقات من أخطاء، والمسألة هذه أشكالها متعددة، فهناك مَن يُلقي بنفسه أمام السيارة، قاصدًا أن ينتحر، ولا يستطيع السائق تفاديه، وهذا لا يعتبر من القتل الخطأ، بل من حق السائق المطالبة بالتعويض من تركة الميت عما أصابه من هلع وتلف، وهناك مَن يتسبب بخطئه في قتل نفسه، كأن يكون هو الذي أصاب بسيارته سيارة الآخر من الخلف، بغير تقصير أو تعدٍ من الآخر، وهذه أيضا ليست من القتل الخطأ، وقد يكون الخطأ مشتركًا، حسب ناتج التحقيق، وهناك من يتسبب في خطأ سائق السيارة في موته، وأحيانًا يكون الخطأ بين الميت وقائد السيارة مشتركًا بينهما، وهاتان الصورتان هي اللتان تعتبران من القتل الخطأ، حسب التكييف الشرعي.

الحكم الشرعي في القتل الخطأ الثابت دليله آية سورة النساء: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}؛ فالدية واجبة شرعًا، لا يبطلها شيء، والتصالح فيها بالعفو أو بقبول قيمة أقل مشروع، والكفارة عن التسبب في القتل الخطأ واجبة بالعتق، أو بالصيام، لمن لم يجد عتقًا، والدية ينبغي وأتمنى ألا ينظر فيها إلى الدِّين، كما قاله السادة الأحناف، كما ينبغي ألا يعتمد في تقديرها على الجنس، أو على العمر، وأختم بأن الدية والكفارة تتعدد بتعدد المقتولين، سلم الله الجميع من كل شر.