إذا أردنا أن نحسن الظن بمن يسيء إلى مسائل الاعتقاد الواردة في الكتاب والسنة، والتي تضمنتها مقرراتنا الدراسية مثل مسائل الولاء والبراء على سبيل المثال، فإننا نقول إنهم جهال يتكلمون بلا علم، وذلك لأنهم توهموا أن النصوص تتضمن معنى باطلا، فلجأوا إلى التحريف تارة والتعطيل تارة، وإضافة معانٍ باطلة تارات أخرى، وهكذا كل من كانت مقدماته باطلة، فإن نتائجه باطلة كذلك، ولو أنهم سألوا إذ لم يعلموا لكان خيرا لهم من نشر جهلهم على صفحات الصحف ومواقع التواصل، فإنما شفاء العي السؤال.

معلوم أن هناك منظمات ومراكز وجهات معادية لبلادنا تتلقى ما يكتبه بعض هؤلاء الجهال من اتهامات لمقرراتنا الشرعية الدراسية، فيفرحون بها، لتوجيه النقد إلى بلادنا، المملكة العربية السعودية، وهم يعلمون أنها اتهامات باطلة، وأن بعض مناهج الدين الغربية أيضا تتضمن تطرفا وإساءة للإسلام والمسلمين، كما بينتُ ذلك في كتابي «الدعاوى العقدية في مقررات التعليم العام في المملكة العربية السعودية»، لكنهم يفرحون بأي إساءة لبلادنا، وإن كانت كاذبة خاطئة، ويغضون الطرف عن إساءة بعض مناهج الدين الغربية للإسلام والمسلمين. كما يغض الطرف عنها بعض كتَّابنا الذين لا شأن لهم إلا اتهام مسائل العقيدة في مناهجنا بجهل وظلم، وإلا فالنقد الصحيح مرحب فيه ولا يغضبنا، وإنما يغضبنا التلبيس والظلم الذي تستفيد منه الجهات المعادية لبلادنا.

فـ«الولاء والبراء» دل عليها الكتاب والسنة، والآيات والأحاديث فيها كثيرة، ولو أردت سردها لاحتجت عدة مقالات، لكنها معلومة، ومن شاء الاطلاع عليها فليقرأ القرآن الكريم، وأقول: إذا لم يدرس الطلاب آيات الولاء والبراء بصورة صحيحة في مدارسنا فأين يدرسونها؟! ومن سيشرحها لهم من كتاب الله؟!.

يعلم أهل العلم أن الركن الأول من أركان الإسلام يتضمن «الولاء والبراء»، وهو مقتضى كلمة التوحيد «لا إله إلا الله»، وتعني البراءة من كل معبود من دون الله، وإثبات العبادة لله وحده، حيث قال إبراهيم - عليه السلام - لقومه: «إنني بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي». كما أن «الولاء» لمن عادى ربنا وخالقنا خلل في الإيمان، أما من يحاربنا فنحن نبغضه ونحاربه سواء كان مسلما أو كافرا، فلا معنى من تخصيص الكافر بذلك، كما يتوهمه المتعالمون.

قال الله تعالى «فإن الله عدو للكافرين»، ومن عاداه الله فنحن نعاديه، ومن وصف ربنا بالنقائص فنحن نبغضه ونتبرأ منه، وإن لم يحاربنا.

ولكن ما لم يفهمه من خاض في هذه المسألة من الجهال هو عدم تفريقهم بين المحبة أو المودة الطبيعية، والمحبة أو المودة الدينية، وكذلك عدم تفريقهم بين ما جاءت به الشريعة وتضمنته مقرراتنا الدراسية من وجوب العدل والبر وحسن التعامل مع الكفار، وبين البراءة منهم ومما يعبدون، كما قال تعالى عن إبراهيم - عليه السلام - إنه قال لقومه «إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ».

فالإسلام أباح نكاح الكتابية (اليهودية أو النصرانية) المحصنة، ومعلوم أن الزوجين بينهما مودة ورحمة، فهذه مودة طبيعية وليست مودة من أجل دينها.

والإنسان يحب أباه المشرك محبة طبيعية، ولكنه يتبرأ منه دينا وعقيدة، لعداوته لله تعالى، حيث قال الله تعالى عن إبراهيم - عليه السلام: «وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْه»، ولا تعارض في ذلك، فالذي أمر بالبراءة من الكفار هو الذي أمرنا بحسن التعامل معهم وعدم ظلمهم أو الاعتداء عليهم بغير حق.

وفي صحيح البخاري أن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - قالت: «قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله ﷺ فاستفتيت رسول الله ﷺ قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك».

وفي بعض الروايات أنها قدمت ومعها هدايا، من زبيب وسمن ونحو هذا، وهي راغبة في الصلة والتودد، فامتنعت ابنتها «أسماء»، خشية أن يكون ذلك من موالاة المشركين، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالصلة وحسن التعامل، لأن ذلك لا يتنافى مع «الولاء والبراء».

كما أن قول بعضهم إن المقررات الدراسية تضمنت حديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله»، وأن ذلك معناه قتل كل أحد غير مسلم، نقول لهم: هذا حديث صحيح قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذنب المقررات إذا قالت ما يقوله الله ورسوله؟!، ومعناه ليس كما فهمتم، فقوله «الناس» عام أُريد به الخاص، فالمسلمون من الناس وليسوا مرادين، لأنهم يعملون بمقتضى لا إله إلا الله، والكفار المعاهدون ليسوا مرادين بدليل حديث «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة»، وكذلك الكفار المستأمنون والذميون، وحينئذٍ لم يتبق إلا الكفار المعتدون الذين يقاتلوننا بدليل قوله تعالى «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين».

والمقصود أن المناهج الشرعية في المملكة العربية السعودية تقوم على الاعتدال والوسطية، ولكن بُلينا بكتَّاب يتكلمون بلا علم.

ومن العجب أن بعضهم يزكي الصحوة الحركية ذات الامتدادات الإخوانية بنسبة عقيدة «الولاء والبراء» لهم، ومعلوم أن الصحوة ورموزها الإخوانية لا علاقة لها بـ«الولاء والبراء» بل هي توالي أعداء الله مثل نظام الخميني، وتهاجم بلاد التوحيد وأنصار التوحيد، متخذة من بلاد الكفار مأوى لهم، ومن أعداء الإسلام داعمين لهم، فأين «الولاء» لأهل التوحيد و«البراءة» من أعداء التوحيد عند الصحوة إن كانوا صادقين؟!.

إنني أعلم أن نقد الصحوة ليس نقدا للدين، ولذلك نقدتها منذ زمن طويل وما زلت أنقدها بسبب مخالفتها العقيدة الصحيحة، ولكن تسلط بعض الجهال على مسائل العقيدة الواردة في الكتاب والسنة تحت غطاء نقد الصحوة هو من تلبيس إبليس، فنسأل الله أن يكف بأسهم، والله أشد بأسا وأشد تنكيلا.