هذا صيف عربي طويل. بدأته في المغرب وأنهيته في اليمن، وبين البحر والبحر نزلت مدناً عربية كثيرة.

كلما ازددت ترحالا في هذه المدن العربية ازددت حزنا..! مدن عربية كثيرة تغيب عنها سنوات وتعود إليها، فتشعر أن الزمن قد توقف فيها: نفس الشوارع الكئيبة، نفس العمارات المتهالكة، والشحاذون يزدادون عند إشارات المرور، والأطفال يعملون في الورش المتسخة للحصول على لقمة العيش، والفقر ينتشر وكأنه قدر حتمي، والناس تشكو من الفساد والعبث بالمال وازدياد الأغنياء غنى والفقراء فقرا.

تشعر أن بعض المدن العربية قد نسيها الزمن. أو أن أهلها قرروا مع سبق الإصرار والترصد أن يكونوا أعداء للحركة والتطور والإصلاح، إنهم أشبه بأهل الكهف، تتغير الدنيا من حولهم وهم نائمون غافلون والانقسام الاجتماعي يزداد، والهوة بين الناس تكبر.

لا أخفيكم أنني أخاف على هذه المدن العربية من الانفجار، وإذا حدث لا سمح الله فقد يكون أكبر مما نتوقع وأسوأ مما نظن، فالناس الذين يصحون على البطالة وينامون على ضياع الأمل والحلم، تتساوى لديهم الأشياء وتضيق عليهم البدائل، وربما يحدثون زلازل من الصعب التحكم فيها، وربما يكونون أول ضحاياها، وربما تزيد الفقراء فقرا، والتخلف تخلفا!

هذه المدن تحتاج إلى صحوة ضمير، شيء من خوف الله، ثم خوف الناس، شيء من الصدق مع النفس، مزيد من الإيمان بأن الظلم ظلمات، والقناعة بأن للمال العام حرمته، وللناس حقوقا شرعية في الحصول على الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، وحرية الرأي والتعبير، وحق كرسي لكل طفل في مدرسة، وسرير لكل مريض في مستشفى.

كلما مد طفل عربي يده وأنا أقف على إشارة مرور في هذه المدن العربية، ونظرت في عينيه، شعرت بحجم المسؤولية الأخلاقية والإنسانية للمفكرين والمثقفين، لا نطالبهم بإطعام الجياع، فهذا أكبر من إمكانياتهم، ولكننا نطالبهم بأن يقولوا الحقيقة، أن يصارحوا أصحاب القرار بأن مدن الظلم جريمة أخلاقية كبرى، وأن الانفجار قادم، ولا بد من عمل جاد لوقفه، والبراكين تتكون في الحواري والأزقة وهو خطر على الجميع..

هذا الجمهور المحبط في المدن العربية هو الذي دفعته حاجته وجهله للركض وراء المستبدين، وهو وقود للمتطرفين، لكل أعداء الحياة الذين يستغلون جهل الناس وعوزهم ويبشرونهم بالأكاذيب الباطلة. يطالبونهم بإسقاط ما هو قائم، مبشرينهم بأكذوبة ما هو قادم، حتى إذا وقع الفأس في الرأس انفض السامر وذهبت السكرة وجاءت الفكرة.

أصرخ.. اتقوا الله بالناس. انزلوا إلى الشوارع وافهموا الحقيقة، افعلوا شيئا يمنع الانفجار. فالتنازل عن قليل اليوم هو أفضل من التنازل عن كل شيء غدا.

مدن البراكين تحتاج معالجة عاجلة.. لا تحتمل التأجيل..!