نشأ في حواري مكة وأزقتها وتحديدا في (حي المسفلة) المعروف بأجواء الفن وشيوع الطرب في فضائه. تربى في كنف والديه، حيث كان والده يعمل في صيانة الساعات، وكان محمد يساعده في ذلك. التحق بالكُتاب لحفظ القرآن الكريم، منذ صغره كان يمتلك صوتا قوياً جهورياً يطرب له كل من يستمع إليه، جالس كبار المؤذنين والمؤديين لفن (المَجَس) في ذلك الوقت، فتعلم أصول رفع الأذان المكي، وقد رفعه وهو في سن الثالثة عشرة في مساجد الحي. إضافة إلى تشربه صغيرا كيفية أداء المجس.

جسيس الأفراح

تأثر الفنان محمد أمان تأثراً شديداً بأسلوب الفنان عبدالرحمن مؤذن الشهير بـ«الأبلتين» الذي كان من أهم رواد تأدية الموال (المجس)، وبدأ أمان يشتهر كجسيس في الأفراح وحفلات الزفاف، منتصف الستينيات الميلادية على نطاق حيه المسفلة، وبدأت شهرته تتسع من حي لآخر، فالتحق بفرقة بنجر للاحتفالات التي كانت للفنان صالح بنجر، وشارك هو والفنان داود هارون وأصدقاؤه العازفون أمثال حسن مقبل، وجميل شبانة وغيرهم بإحياء حفلات الزفاف، ولكنه سرعان ما اعتمد على نفسه، وبدأ بالظهور الطاغي وحده بساحات المجس في ليالي الأفراح.

مؤد وباحث

بدأ بعد ذلك يتردد على صوالين الفن وإحياء التراث بمكة المكرمة، حيث كان من أوائل الصوالين التي احتضنته صالون الفنان صالح لبني في حارة الباب، وكان يحتضن كلا من سراج عتيق وغازي باتوبارا وعدنان مخصوم وعازف الكمان سعيد شاولي، إضافة إلى محمد باجودة ومحمد خياط. ولم يكن محمد أمان مجرد مؤدٍ فقط، بل كان فناناً وباحثاً في أصول المجس والدانات الحجازية، كان يدون كل ما يقال من كبار هذا الفن أمثال محمد علي سندي وصالح لبني وعلي الصايغ، و يحرص على أخذ المعلومة من مصدرها الصحيح.

لحظة تاريخية

بعد ما غنى في زفاف المذيع الشهير الدكتور حسين نجار في مكة المكرمة بالسبعينيات الميلادية، وأدى المجسات الحجازية بأسلوبه الخاص وأطرب الجميع وأشجاهم، التقى هناك بالمذيع أحمد حريري الذي عرفه بمحمد رجب الذي كان يُعد وقتها برنامج (مسرح الإذاعة)، فعرض عليه رجب المشاركة ببعض المجسات، فأبدى استعداده لكنه قال: ليس عندي قصائد مناسبة للعيد، فاتصل رجب بالفنان محسن شلبي وطلب منه أي قصيدة عن العيد، وفي اليوم التالي أحضر له قصيدة من الشعر القديم ليقدمها أمان بصوته، كأولى خطواته للغناء في الإذاعة، بمصاحبة عازف قانون وعازف كمان ويقول مطلع القصيدة:

هذا السرور وقد بانت بواديهِ

يا سعد عَرج به وأنزل بواديه

الروض يضحك والأزهار عابقةٌ

وشدى باللحن شاديهِ

درر التراث المكي

المعلومة الفنية هي أصعب ما يستحوذ الباحث عليه، فهي تعتمد على الحس في الأخذ بمصداقيتها أو نفيها، فطالما استطاع الفنان الإحساس بها كان لها التغلغل في أعماقه والاستحواذ على إحساسه، فقد كان محمد أمان يحرص على كيف تقال الكلمة في المجس، وكيف تقدم، وما هي أساسياتها، وكان دائما ما يحرص على أن تكون من المصدر نفسه، كانت تلك الصوالين الفنية التي تدور فيها درر التراث المكي وكيفية قوله وغنائه، مصدر معرفته، يحضرها باستمرار، ومنها صالون فؤاد بنتن في حي أجياد السد، قبل أن ينتقل بعد ذلك إلى حي النوارية، والذي كان يقام كل ليلة ثلاثاء، ويحضر من المدينة المنورة الفنان صالح عمر وعازف القانون فهد قرطلي وعبداﻹله فتيني.

مع العمالقة

كان محمد أمان من المؤسسين لصالون جميل محمود، إضافة إلى أركان الصالون من عمالقة الفن بالكلمة واللحن كإبراهيم خفاجي وعبدالرحمن حجازي وياسين سمكري، وقد تغنى بكلماتهم، إضافة إلى ألحان جميل محمود ودرويش صيرفي، وتعاون مع طارق عبدالحكيم في غنائه قصيدة الشاعر طاهر زمخشري (أهيم بروحي على الرابية) التي من كلماتها:

أهيم بروحي على الرابية... وعند المطاف وفي المروتين

وأهفو إلى ذكرى غالية.. لدى البيت والخيف والأخشبين

فأهدر دمعي بأماقيه.. ويجري لظاها على الوجنتين

ويصرخ شوقي بأعماقيه.. فأرسل من مقلتي دمعتين.

عزف الكبار

كان أصدقاء محمد أمان يشاهدونه وهو يدون ويسجل كل ما يدور في المجالس والصوالين الفنية من معلومات عن التراث حتى أصبح في يوم من الأيام مرجعا لهم، يستقى منه كل ما هو قيمٌ ونادرٌ في فن الدانة والمجس، وكان أمان دائما ما يقيم هو وأصدقاؤه ومن ضمنهم عدنان مخصوم، جلسات غنائية في فترة الظهيرة بمنزل الفنان محمد علي سندي وذلك لقلة سهره، وكان حريصا جدا أن يكون موجودا عنده لأخذ الكثير من علمه وخبرته في التراث المكي الموسيقي، حتى تعلم العزف على آلة العود وكان يقول لأصدقائه: أنا تعلمت العزف بطريقة الكبير محمد علي سندي.

العمل والعطاء

عمل محمد أمان في عدة مجالات، فقد تعلم مهنة والده إصلاح الساعات، كما عمل مصورا تلفزيونيا باستديو الحرم المكي، وعمل أيضا بمكتب الإذاعة بمكة المكرمة، ولم يتزوج إلا بعد زواج إخوته وبعد الاطمئنان عليهم، وكان من المعروف عنه شدة تعلقه بوالدته، وبعد رحيلها كان يقول لأصدقائه ومن حوله: رحلت من كنت أعيش لأجلها.

مشاركات

كان محمد أمان يصر على البروفات قبل أن يغني أمام الجمهور، وشارك في عدة دول لتقديم لوني الدانة والمجس. وشارك أيضا بأداء المجس في افتتاح إحدى دورات مهرجان الجنادرية، وكان ذلك أمام الملك فهد - رحمه الله - كما شارك في حفل (دار الأوبرا) بالقاهرة خلال تكريم الفنان سراج عمر وحفل تكريم (الجامعة العربية) لرواد الأدب العربي. كما شارك في أول أوبريت في (مهرجان جدة غير) عام 2001 إلى جانب عبادي الجوهر وعبدالله رشاد.

المنية

كان محمد أمان يحضر إحدى المناسبات بمنزل طارق عبدالحكيم في شهر رمضان، وبعد الانتهاء من المناسبة أخذ طريقه عائدا إلى منزله لكن يشاء الله أن يصاب بجلطة أثناء قيادته للسيارة، ما جعله يفقد وعيه، فتترنح السيارة يميناً ويساراً مصطدمة بالسيارات الأخرى وأرصفة الطريق حتى توقفت، ونقل على إثرها إلى المستشفى، أصيب بشلل دام معه عشرة أعوام، تعرض خلالها لجلطة تلو الأخرى، إلى أن وافته المنية عام 2013، عن عمر يناهز الستين عاما.

- محمد أمان الله محمد يوسف ملا

- ولد في (مكة المكرمة) عام 1953