نجحت المملكة في احتضان القمة الخليجية التي أقيمت في العلا، وتعددت النجاحات على أكثر من صعيد، لتؤكد المملكة دورها الريادي وحجم ثقلها السياسي. غير أن القمة حملت في طياتها أبعادا اتصالية عديدة تعكس إلهام القيادة اتصاليا. ابتداء بتوجيه خادم الحرمين القمة بتسمية القمة بـ«قمة السلطان قابوس والشيخ صباح» في لمسة وفاء رائعة.

إن مرايا القاعة التي احتضنت القمة تروي في انعكاسها قصصا ودروسا اتصالية عدة. من نقطة الختام المتمثلة في محافظة العلا وببعدها التاريخي عبر أزمنة عديدة وحضارات متلاحقة، حيث إنها تحوي منطقة الحجر، أولى المواقع السعودية المدرجة على لائحة اليونسكو، علاوة على العديد من المواقع الأثرية التي تحتضنها المنطقة والتي أضحت قبلة سياحة مؤخرا. فاحتضانها لقمة بهذا الحجم يعطي قيمة ترويجية أكبر للمحافظة في الخارج، خصوصا في ظل الزخم الإعلامي الكبير المصاحب للحدث.

إن نجاح التسويق الاتصالي للعلا لم يكن وليد اللحظة، فقد سبق وأن استقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس الوزراء الياباني شنزو آبي في ذات المحافظة وبأجواء شعبية ملفتة للنظر، حتى ذكر حينها شنزو آبي أنه لن ينسى تلك الليلة.

فالقيادة ملهمة في مجالات عدة ومنها اتصاليا، حيث أعطت زيارات خادم الحرمين الشريفين إلى منطقة نيوم قيمة أكبر وحرصا إعلاميا أكبر، للتعرف على المنطقة والمشاريع المقبلة فيها، وكذلك الحال حين ظهرت مقاطع لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في العلا والتقائه مع شباب المنطقة أثناء نزهتهم، ما ساهم بشكل لافت في حرص الكثير من السياح لزيارة المنطقة والتعرف على الأماكن الأثرية والسياحية الموجودة بها.

وبالعودة للوراء نجد أن الكثير من القمم والاستضافات حملت مضامين اتصالية هامة ولاقت رواجا واسعا في الإعلام الخارجي، ومن ضمن تلك النماذج استقبال الرئيس الأمريكي السابق أوباما في «العوجا» الأمر الذي دفع بالكثير من الوسائل الإعلامية الدولية للحديث عن العوجا وسبب التسمية.

ومن النماذج الاتصالية اللافتة تحويل مسمى القمة العربية من قمة الظهران إلى القدس، في رسالة اتصالية وسياسية واضحة تترجم الموقف السياسي للمملكة تجاه القضية. كما أن احتضان القمم الإسلامية في مكة المكرمة وما تعنيه من قيمة دينية أمر اتصالي بالغ الأهمية.

ولم يقتصر الأمر على المناسبات والفعاليات السياسية فحسب بل شملت أيضا المجالات الأخرى، فالحرص على تنظيم أضخم الأحداث الرياضية في الدرعية وسط حشود كبيرة من الإعلام الخارجي الحاضر لتلك المنافسات أمر ساهم في الترويج للمنطقة بشكل كبير جدا، ودفع بذلك الإعلام للبحث عن القيمة الحضارية والتاريخية للدرعية.

لا شك أن احتضان القمم والمناسبات الكبرى له جدوى سياسية واقتصادية وإعلامية شتى، يضاف لها كيفية توظيف تلك المكتسبات برسائل اتصالية تعزز من القيم المكتسبة من تلك الفعاليات وتفتح نافذة بالغة الأهمية لتأسيس مفهوم اقتصاديات الفعاليات، والتي تعد أحد أهم روافد الاقتصاد. وشهدت نموا لافتا في الآونة الأخيرة قبل أزمة كورونا، إذ إنه من المتوقع أن يتعافى هذا القطاع بعد زوال تداعيات كورونا.

إن النجاحات الاتصالية التي أقدمت عليها القيادة أسست منهجا يجب أن يتبعه الكثير من القطاعات الحكومية والخاصة من خلال خبراء الاتصال لديها، في كيفية تسويق النجاحات والمكتسبات اتصاليا بطرق مبتكرة وغير مباشرة، واستثمار ذلك في إيجاد منافذ استثمارية وسياحية للبلد من خلال جودة الرسائل المقدمة، والبعد عن التقليدية والمباشرة والنمطية والتكرار. فرسالة واحدة ذكية تعادل جهود سنوات كثيرة اتصاليا. ولدينا من المقومات إنساناً ومكاناً ما يستحق أن يترجم على هيئة صناعة صورة ذهنية.

قال بيل غيتس يومًا «لو بقي بحوزتي دولار واحد، لأنفقته على العلاقات العامة وصناعة الصورة الذهنية».