احتفت السعودية بانعقاد القمة الـ41 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بعد 39 عامًا على تأسيسه، وتعاهد دوله على التعاون في جميع السياسات التي تخدم دول المجلس ككيان إقليمي، تلتقي عنده الرؤى والإستراتيجيات الخليجية، وتتفق وتتشارك في وضع نظامه المؤسسي وتوجهاته الإقليمية والدولية، بما يعزز من مكانة دوله ويُثقل من وزنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، وبما يسهم في مواجهة التحديات التي تحدق بالمنطقة وتهدد أمن شعوبها، سواء في نطاقها الإقليمي المجاور والقريب، أو في مختلف التهديدات الدولية المتربصة بمختلف صور تدخلاتها ومحاولاتها في تفكيك لحمة الكيان الخليجي.

اجتمع القادة في بيتهم الكبير الذي يحتويهم كإخوة، وهم يتطلعون إلى الخروج من أزمات واختلافات أثرت على مسيرة منجزات دوله، متحفزون للتعاون والدفع بسياسات تعوض ذلك الإخفاق والتعثر الذي ألم بمحيطه ومستهدفاته الخليجية والدولية، وكما أن التكامل في السياسات المختلفة والتنسيق بين الأخوة؛ ينعكس إيجابًا على مقدرات المنطقة، فإن الاختلاف والتباعد في التوجهات الإستراتيجية، يؤثر سلبًا على مكتسبات دوله في تحقيق مصالح مشتركة، أو تحصيل ثمار جهود بذلت لنحو أربعين عامًا، تخللها الكثير من اللقاءات والمؤتمرات المختلفة في مستواها ومضمونها.

تشغل دول مجلس التعاون 2.4 مليون كلم2 من مساحة شبه الجزيرة العربية، وعدد سكان يصل إلى 58.6 مليون نسمة حسب التقديرات السكانية الدولية لعام 2020، وقيمة دخل تصل إلى 1.6 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي، ومعدل 28.7 ألف دولار لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وكنتيجة لحركة التنمية المتسارعة والشاملة التي شهدتها جميع دول المجلس، فقد استطاعت أن تستحوذ على مراتب متقدمة في سلم التنمية البشرية الدولية، بأن تكون -منذ بضع سنوات- ضمن مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جدًا، بالاستناد إلى العديد من معايير التنمية البشرية ومؤشراتها الدولية التي صنفت ضمنها، كنتيجة لما حققته من منجزات تنموية على المستوى المحلي لجميع دوله.

تتمتع دول مجلس التعاون بالكثير من مقومات نجاح مجلس التعاون، كما تستند إلى عدد من المرتكزات القوية التي تميزه عن غيره من المنظمات الدولية التي اجتمعت وأنجزت رغم عمق الاختلافات بينها، إذ تلعب العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية دورًا كبيرًا في وحدة النسيج الأيديولوجي والاجتماعي للسكان، كما ساهمت البنية الجيولوجية في تشابه المقومات الاقتصادية لدوله، ويروي التاريخ السياسي للمنطقة، قصة تتداخل فيها العلاقات الاجتماعية بين قبائله وأنظمته الحاكمة، بما يجعلها أدعى للتقارب والتكامل فيما بينها، لتكون سدًا منيعًا ورقمًا صعبًا في وجه من يحاول اختراق تماسكها أو تفكيك لحمتها الطبيعية.

وقد أفرز اجتماع العلا، برمزيته التاريخية وعمقه الوطني في بيانه الختامي؛ مجموعة من الإستراتيجيات والسياسات التي تحمل في طياتها، تحقيق الكثير من التطلعات والآمال لشعوبه، والتي ستعزز من قوة دول المجلس وستضيف إلى مسيرته التنموية مراحل من الإنجازات، وستسهم في تمكينه من مواجهة التحديات التي يعيشها في الداخل الوطني وفي المحيط الإقليمي.

على الصعيد التنموي فإن منح مواطني دول المجلس حرية العمل والتنقل والاستثمار والمساواة في تلقي التعليم والرعاية الصحية، لُيعد من أحد أهم المنجزات للقاء القادة، لما يشكله ذلك من أهمية بالغة في معالجة واحتواء العديد من التحديات التي تواجهها الدول والشعوب على الصعيد المحلي، إذ إن التعاون في توفير فرص العمل وإتاحة الحركة والتجارة البينية والاستثمار في المقدرات المتاحة، مع المساواة بين الشعوب في الاستفادة من فرص التعليم المتاحة والرعاية الصحية المطلوبة، سيسهم بلا شك في مزيد من النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والتكامل التنموي بين مؤسسات دول المجلس.

بناء شبكة لسكة حديد خليجية، سيكون الإنجاز الأهم في تيسير عملية التنقل والتجارة والسياحة والعمل وغيره من المستهدفات بين دول المجلس، وستدعم السياسات المتكاملة لدعم منظومة مشتركة من الأمن الغذائي والمائي جميع دول المجلس في تحقيق مستهدفات التنمية المستدامة لشعوبها ومواردها الطبيعية، وذلك في إطار من الإجراءات المشتركة والآليات المتكاملة نحو تعزيز الحوكمة والنزاهة ومكافحة الفساد، وتوحيد المواقف السياسية وتعزيز التعاون العسكري لمواجهة التحديات الراهنة والمستجدة، بما يعزز من وحدة الصف الخليجي ويدعم قوته الإقليمية وعلى الصعيد الدولي.

نبارك لقيادتنا الحكيمة التي احتوت الاجتماع الخليجي في بيتهم الكبير؛ ذلك النجاح المشرف والإنجاز الميمون الذي لامس مختلف متطلبات التعاون الخليجي والتقارب المطلوب، باستشعارهم تطلعات الشعوب وآمالها نحو حاضر متصالح مع إمكانياته ومستقبل واعد بمنجزات تستثمر مقدراته وتسعى لتحقيق أهدافه المنظورة.