تعُج مواقع التواصل الاجتماعي بالغث والسمين، واختلطت الآراء الصواب بالأخرى التافهة، وبات المدافع عن وطنه لا يتجاوز «ذبابة»، بينما من لا ناقة له ولا جمل في ملفات بعيدة كل البعد عما يمكن أن يكون وطنية أو حتى تبعية أصبح مناضلا مدافعا عن الحريات. وباب الحريات واسعٌ يحتمل حتى التأليف والكذب، بل وحتى الارتزاق، وقس على ذلك.

أُصاب بالغثيان لمجرد دخولي، على سبيل المثال، منصة «تويتر»، هي بالمعنى الصريح ساحة حرب تتفوق فيها البذاءة والقبح على الأخلاق والأدبيات. غريب أن سيدة، قدمت من أقصى شمال إفريقيا، تتقاذف مع شخص في أبعد نقطة على الخارطة النجدية، وتنعته بـ«الذبابة» لمجرد دفاعه عن دولته ووطنه، ويذكرها بصورة التقطت لها وهي في وضع لا أريد القول «مُخل» بل خاص. أتصور أنها لا هي على حق ولا الآخر على حق، حتى إن كان أساس المشكلة والتقاذف بينهما يقوم على وطنية أحدهما دون الآخر.

أتصور أن جميعهم مُغيبون أو خاضعون لنظام التفاهة الذي يتسيد تلك المنصات الافتراضية، التي شكلت ما يمكن أن نراه «عقلا جمعيا» تبدل من حالته السابقة، التي كانت تقوم على المناظرات والخطابات، إلى المهاترات والإسفاف الأخلاقي والتربوي، وانقادت الحالة الاجتماعية المُغيبة، بكل أسف، إلى صناعة رمزية معينة حول بعض الشخصيات التافهة، حتى غابت عن الأذهان صورة الإنسان الطبيعي صاحب الحكمة والعقل الراجح نظير تسيد هذه الحالة الرمزية، التي تتميز بلفت الانتباه، ارتكازا على السطحية المخفية عمدا وراء الهالة المُصطنعة والزائفة التي يختبئ وراءها كثير من تلك الشخصيات المصابة بالمرض والانفصام عن الواقع.

أما الجانب الأخطر، وبكل أسف، فيتمحور حول الفرص والمساحة التي تتيحها السياسة لكثير من الحمقى، لإبراز حماقاتهم خلف ستار الوطن والوطنية، وهذا انتقاص من القيمة المعنوية الوطنية، والرمزية التي يشكلها الوطن لأي من أولئك. فمن أبرز عوامل نجاح أي سياسة معينة، حسب ما قرأت، وجود الجماهير واعتمادها على تلك الجماهير. ومن هذا المنطلق تنبثق لنا خطابات التفاهة التي يمكن أن يُمثلها بعض الجماهير في الدفاع عن الوطن، أو عن الخطاب السياسي الذي تمثله أي دولة إذا ما نظرنا إلى مفهوم الدفاع بشكله الكبير والعام، الذي يقبل وجود الإنسان الوطني والمرتزق في مساحة واحدة.

من جانب آخر لا يقل خطورة عن سابقه، يبرز استناد الكثير من تلك الحالات المتشنجة، التي تجد في منصات التواصل الاجتماعي مساحة ومتنفسا دون ضوابط، على ما يُسمى «ديمقراطية وحرية تعبير»، وهو العنوان الذي يجهل معناه الحقيقي الكثير منهم، ويفهم من خلاله الوصول إلى أعلى سقف من القُبح والحماقة. كيف لا والديمقراطية في أساسها مصطلح هش، ولد لحماية الأقلية من شبح الأغلبية، إلا أن الحالة تبدلت في كثير من المشاهد والصور.

وما جرى وشهدته العاصمة الأمريكية (واشنطن) أخيرا أكبر دليل علي أن حرية التعبير والديمقراطية ما هي إلا شعارات تتيح المجال للحمقى لتصدر المشهد، لكن الجيد في هذه الحالة أنها كشفت تناقضات الغرب المتشدقين بالحرية، إذ وُصفت الأعمال نفسها في مصر ودول عربية بأنها «حرية تعبير» على الحكومات احترامها، بينما تم وصفها في دول غربية، وعلى رأسها أمريكا، بأنها «أعمال شغب وتخريب»، وهذا منتهى الصفاقة السياسية والنفاق الاجتماعي المبني على استغباء العقول.

ما دفعني للكتابة عن هذا الأمر، الذي أجد أنه خطير وبحاجة إلى التفاتة معينة، مقابلة أجرتها قناة «الجزيرة»، التي سأمضي وأبقى وصفها بـ«المقيتة» مهما حدث من تطورات على المشهد السياسي والاجتماعي الخليجي، مع وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي قال علانية: «مواقع التواصل الاجتماعي أسهمت في تفاقم الأزمة الخليجية بين قطر ودول المقاطعة».

واستمعت إلى دبلوماسية الرجل عندما أجاب عن سؤال المذيع القادم من أقصى شرق إفريقيا: «هل انتهى الأمر بحب الخشوم؟»، حيث أجابه الوزير بأن هذا ضمن تقاليدنا الخليجية العريقة. وانتهى اللقاء.

عبثا، دخلت منصة «تويتر» على حسابات مُعينة لأجانب رفعوا لواء الدفاع عن قطر خلال السنوات الماضية، ووجدت الردح كما هو قبل المصالحة الموقعة مع الدوحة في قمة العلا، لا شيء اختلف، وتساءلت داخليا: لماذا هم مستمرون؟، ربما هم بانتظار توجيه يأتي من أعلى سلطة معينة أم بانتظار قناعات تُرسم داخلهم عن الاتفاق المبرم بين الأخوة؟!. لا أعلم.

المُهم أني استنكرت ذلك داخليا، وأغلقت الموقع سريعا، خشية أن أكون «ذبابة تحارب مناضلين».