بداية.. نتوجه بالشكر إلى (وزارة البيئة والمياه والزراعة)؛ التي تدخلت قبل عدة أيام للتوسط بين شركة المياه الوطنية والمتظلمين من شركة المياه. لن (أخمِّن) فأقول: إن نسبة كبيرة أو قليلة أو متوسطة من مستهلكي مياه الشرب؛ كانت وما زالت تعاني من خدمة هذه الشركة. لماذا..؟ لأن مؤسسة صحافية كبيرة هي صحيفة الوطن؛ أجرت قبل أيام قليلة؛ دراسة ميدانية؛ استبانت فيها آراء قرابة أربعة آلاف مشترك، وظهر أن (%81) منهم؛ يشكُّون في صحة الفواتير، وأن (%13)، يئسوا منها، وتركوا العدادات، واعتمدوا على الصهاريج، وأن (%6) فقط؛ واثقون من الفواتير. (صحيفة الوطن العدد 7353 الأربعاء 13 يناير الحالي). لقد طفح الكيل، وكشفت- من قبل وما زالت تكشف- وسائل التواصل الاجتماعي؛ مقدار هذه المعاناة من عدادات المياه، ومن الفواتير الشهرية (التخمينية والتقديرية). وهذا التعبير الذي أفرز مصطلحي (التخمين والتقدير)؛ ليس من عندي، ولا من عند أحد، ولكنه من عند القيادة العليا في الشركة، حين أوضحت بجلاء، طريقة التحصيل العجيبة التي تنتهجها الشركة مع عملائها، وهي طريقة معروفة عند الكل قبل التصريح بها، ولم يكن أحد ليصدقني أو يصدق غيري قبل أن يكشفها ويجهر بها الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية المهندس: (محمد الموكلي)، من خلال برنامج (في الصورة مع المديفر) في قناة: (خليجية) على الهواء مباشرة. صدقوني.. لقد تعجبت من (قوة شين) الخدمة التي نعرفها من شركة المياه؛ ومن جرأة أعلى قيادة فيها لتقول: بأنها تحرر فواتير شهرية تقديرية وتخمينية..! هذا العجب؛ يزيل عجبًا آخر يلازمنا معظم أشهر العام، من فواتير كنا نتلقاها وما زلنا، غير منطقية وغير معقولة، والعجب يزداد حين تحد الشركة من تلقي شكاوى المتضررين، وتصرف النظر عن تظلمات المتظلمين، لكي لا تشغل نفسها..!

ما إن تحدث الرئيس التنفيذي للشركة؛ حتى سارعت (وزارة البيئة والمياه والزراعة)؛ بالتدخل. فوجهت شركة المياه الوطنية؛ بالعمل فورًا على معالجة الاعتراضات كافة، ورفع جاهزية استقبال قنوات التواصل، وبيان حق المستفيدين في التقدم لمنظم المياه في حال عدم الرضى عن نتيجة معالجة الاعتراض من خلال الرابط: https:/‏‏/‏‏www.mewa.gov.sa/‏‏WaterRegulator/‏‏ar/‏‏Complaints/‏‏Pages/‏‏default.aspx.

وزادت الوزارة؛ فأكدت متابعتها كل ما من شأنه الارتقاء بقطاع المياه وخدماته، مفندة ما أثير عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية؛ حيال مطابقة عدادات المياه الذكية للمواصفات السعودية والقراءات التقديرية لاستهلاك المياه، حيث أوضحت أنه تم التنسيق مع الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة؛ للتحقق من أن عدادات شركة المياه الوطنية؛ مطابقة للمواصفات المعتمدة من الهيئة برقم: («SASO-OIML-R49-2&3»). الجميل في هذا؛ أن الوزارة قالت إنها: (تتولى مهام تنظيم أنشطة خدمات المياه في المملكة، وعليه؛ فإن منظم المياه هو الجهة الوحيدة المخولة بالبت في الاعتراضات المقدمة من المستهلكين على مقدمي الخدمات). وبقي أن تضع الوزارة حدًا لمسألة التقدير والتخمين التي أضرت بعملاء الخدمة كثيرًا، وهي مصدر معظم تظلماتهم وشكاواهم التي يضرب بها عرض الحائط في معظم الحالات، إضافة إلى الشكوك التي تحوم حول مواصفات العدادات، وإلى دخول مقاولين ومتعهدين على الخط عادة؛ عن طريق الشركة وهواتفها؛ بحجة تسربات محتملة في الخزانات، والمطالبة بالصيانة عن طريقهم هم بمبالغ كبيرة، ولا خيار للمستهلكين في الغالب. هناك قصص غريبة لعملاء خدمة مياه نزلت عليهم فواتيرهم نزول الصاعقة بعشرات الألوف..! وبعد أخذ ورد وتعب ما بعده تعب؛ تراجعت الشركة عن عشرات الألوف هذه إلى مئات قليلة من الريالات، ما يثبت خطأها. وهناك من العجائب التي لا تنتهي؛ أن مستفيدين تلقوا فواتير بعشرين ألفا وسبعين ألفا، وراجعوا وتعبوا دون نتيجة؛ فتخلوا عن ماء الشركة، وراحوا يسقون دورهم (بالوايت). لكن الشركة تظل تلاحقهم، فإذا طلبوا ماء وايت بالتعبئة؛ ترفض الشركة بحجة أن الحي مخدوم بالشبكة..؟!

الواقع؛ أنه ليس شركة المياه وحدها التي (فيها شين وقوة عين)، هناك معاناة أخرى مع (شركة الكهرباء)، ومع (شركات الاتصالات الهاتفية والإنترنت). لم يسلم أحد من مستفيدي خدمة الكهرباء والهاتف والإنترنت من موجة (التخمين والتقدير)..! أنا شخصيًا عانيت وأعاني من هذا التسونامي المالي الظالم بين شهر وآخر. السؤال: متى تتدخل الجهات الرسمية لممارسة حقها في المتابعة والمحاسبة، لإنصاف المتضررين والمتظلمين من مستفيدي الخدمة، وهي لم توجد إلا لخدمتهم والدفاع عن مصالحهم التي تحرص عليها الدولة على أعلى مستوياتها.

جاء اليوم الذي يتم فيه تفعيل (الوساطة بين الشركات والمشتركين). وساطة الجهات الحكومية المعنية بالخدمات العامة لعموم الشركات. لقد فقد المشترك الثقة في الشركات الخدمية، وإلى أن يتم هذا بشكل فاعل؛ نتوجه بالسؤال اليوم وليس غدًا إلى: (هيئة تنظيم الكهرباء)، وإلى: (هيئة الاتصالات): متى تتدخلون لإنصاف المتضررين، وتسمعون من المتظلمين، وتفعلون فعل (وزارة البيئة والمياه والزراعة)..؟

رحم الله أيامًا كانت فيها المياه والكهرباء والهاتف بإدارة حكومية، يوم كان الناس يطرقون أبوابها، فيجدونها مفتوحة لهم، فتُسمع- ليس فقط شكاواهم وتظلماتهم التي كانت قليلة ويجأر بها البعض- ولكن لسماع آرائهم فيما يريدون من خدمات تليق بهم وبوطنهم المعطاء.