دكتورة.. معلمة، موظف. كانت هذه الإجابة الحاضرة والمستخلصة من عمق أحلام الطفولة الوردية، عندما كنا نُسأل عن ماذا نريد أن نكون حين نكبر؟. هذه الإجابة كانت هي الطموح الذي يناسب مقاسات الفرص المتاحة في ذلك الزمان وإلى وقت قريب مضى. ولكن مع مستجدات التطور، وتغير الأفكار والأولويات، ومع زيادة الوعي، وتغير حاجات المجتمع ورؤاه، ومع عقلية قيادة شابة تستوعب هذا كله لتجمع خيوط التمكين في كل المجالات بيدها لتشد وترخي الحبل حسب ما تقتضيه الحاجة، حيث ترخي قيودا محدودية الفرص للجنسين على حد سواء، بفتح أبواب كانت مغلقة في وجه مجالات العمل، في الوقت الذي تشد فيه الخناق على التسيب والفساد والمحسوبيات وغيرها مما يضع كل في مكانه الصحيح لتصبح الجدارة والاستحقاق بعد الله هما وسيلة الوصول، وذلك من خلال سن التشريعات والقوانين التي تضبط كل ذلك، مما جعل أبواب العمل للشباب والشابات أكثر وأصبحت الخيارات أيسر، وتحكم الإنسان بمستقبله من خلال تحديد أهدافه حسب ميوله ورغباته أصبح أكثر مرونة بكسرنا لقوالب ضاقت على كبر الطموح، وانطلاقنا لفضاءات أرحب تجاوزنا فيها أعرافا - ليس شرعا - أجنحتها لا تساعدنا على التحليق عاليا.

ونحن نعيش كل هذا بوتيرة متسارعة جدا، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم جدا، هل نحن كمجتمع بمؤسساته وأفراده قادرون على استشراف المستقبل والنظر إلى ما بعد اللحظة الحاضرة، بشكل يساعدنا على التحليق في سماء التوقع للوصول إلى فراديس الأحلام؟

ونحن نتابع ما يطرحه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من رؤى وأفكار ومشاريع، نتمنى لو عاد الزمن إلى أيام طزاجة سنة التخرج من الجامعة، برائحة طموحاتها الشهية كي نتذوق لذة التكفير الخارج عن المألوف لنشارك ونبدع، ولكن أعود وأقول لم يفت شيء فمشاريع الرؤية الواعدة خصبة ولادة، وما تحمله في طياتها من مضامين وفرص وألوان جديدة للحياة ليست مرهونة بفترة معينة، بل هي بدايات متجددة تستوعب الكل الكبار بخبرتهم والشباب بطاقاتهم، وهذه إحدى الميزات التي حبا الله بها مجتمعنا، لكي يستمر تكاثر الفرص وتطورها لتفرض علينا واقعا يليق بنا ويسمح لنا بالريادة والقمة دوما. هذا ما نعيشه واقعا منذ أعلن عن رؤية 2030 وما تلى ذلك من مشاريع ابتداء بنيوم وانتهاء بـ»ذا لاين»، ونحن نعيش الدهشة والمفاجآت، ونؤمن أكثر وأكثر، كم أن بلادنا حُبيت من الله بثروات تنافس النفط الذي توحد بالمشهد لعقود طويلة، وكيف سخر الله لهذه البلاد قيادة أدركت أهمية تنويع مصادر الاستفادة من هذه الثروات، كي نبقى قيد التوهج الذي يحفظ لنا بأمر الله ثقلنا السياسي والاقتصادي على خريطة العالم كدولة مؤثرة.

نعود للسؤال من جديد ولكن بصيغة مختلفة، مؤسساتنا المختلفة.. أهدافنا الوطنية والمجتمعية، وأحلامنا المستقبلية كلها تستند بعد الله على خبرة الكبار وفكر مع طموح وطاقات الشباب، ولنكن صريحين جدا مع أنفسنا بعد أن نعمل مسحة تقييمية سريعة للوضع الآن.

حقيقة ودون مجاملة، شبابنا من الجنسين أثبت أنه قادر على استيعاب متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية، وبرهن لنا قدرته ورغبته الصادقة على تحمل المسؤولية والعمل لغد يليق به وبنا كمجتمع ووطن. نرى ذلك جليا من خلال إقبال الشباب والشابات على وظائف لم نكن نحلم أن نراهم بها.. فعلى المستوى المجتمعي والفردي أذهلونا بمشاريع صغيرة مبتكرة وبحماس للعمل في كل القطاعات دون قيد أو شرط.. وعلى المستوى الوطني كان تواجدهم وعملهم وإبداعاتهم في المناسبات المختلفة التي كان أخيرها وليس آخرها مجموعة العشرين.

التحولات المتسارعة بمتطلباتها تجعل من حقهم علينا أن نحتوي حماسهم وطاقاتهم الفكرية والبدنية بشكل أكبر، عبر تأسيسهم من البداية من خلال التعليم، وهذا ما بدأت به المؤسسة التعليمية حاليا، من خلال تمكين الطلاب من الأدوات اللازمة لصناعة مستقبل يتوازى من الأهداف والطموح، وما نزال ننتظر منهم الكثير. من ناحية أخرى يجب أن نسلط الضوء بشدة على سوق التدريب، هل يملك المؤهلات لتطوير القدرات؟ هل برامج الدراسات العليا والبحث العلمي تستطيع توظيف العلم واستثماره في المشاريع الجديدة؟ هل نملك التشريعات الوظيفية القادرة على الموازنة بين الحقوق والواجبات للموظفين فيها، وخلق بيئة عمل مثالية وآمنة تمنح منسوبيها التفرغ للإبداع والإنجاز فقط؟

في المقابل، هل لدينا من الشركات في القطاع الخاص ما يسمح لهذه الأفكار أن تترجم، وما يمنح هذه المشاريع الأرضية الصلبة للنجاح والاستمرار والتألق؟

لن تنتهي الأسئلة ولن نتوقف عن الحوارات حولها، لأن ما نراه يجعلنا نفرح ونتأمل خيرا، لكن ما نعيشه من واقع يفرض علينا أن نعيد صياغته، ليواكب الحلم أو نستبعده من المشهد ونخلق كيانا جديدا قادرا على الوقوف بثبات، وتقديم شيء يكفل ترجمة الحلم والأمنية لواقع يعد به كلنا.

مع وجود سمو ولي العهد حفظه الله وفي عهد سلمان الحزم، انتهت كلمة مستحيل، وأصبح كل شيء ممكنا، وأصبحت الكرة في ملعبنا لتحقيق الأهداف.

بلادنا منذ توحيدها على يد المؤسس طيب الله ثراه وهي تعاصر خططا تنموية بمنجزات أصبحت شاهدة على أننا فعلنا شيئا ليس بالسهل ونحن لم نتجاوز المائة عام بعد، وهذا ما جعلنا في الصف الأول، وضمن قائمة الدول العشرين المؤثرة في القرار العالمي بكل أنواعه وتداعياته، وأصبح المشهد العالمي لا يكتمل دوننا، ولا غنى له عنا، وهذا ما يجب ألا نتهاون في المحافظة عليه.