نشأ بين النخل والبساتين والماء وشقشقة الطيور و‏الأهازيج القديمة، تربت مسامعه على الإيقاع والتراث بجميع أشكاله، حيث كان ‏الفن عند أهالي الدرعية جزءًا من حياتهم اليومية، يغنون عند تلقيح النخل وحصاد الزرع، وعند حفر الآبار.. كانت حياتهم تمضي في جو شاعري فني، صاغ وجدان الفنان حمدي سعد.. ‏كان الأهالي يذهبون لخارج المنطقة السكنية لرعاية الأغنام وبرفقتهم أطفالهم، وتستغرق مدة الرعي في البر بين شهرين وثلاثة، يسرح الأطفال بالمرح بين البراري، يتسامرون، يغنون ما تغنيه المدينة من أغان.

لعب السيف

درس حمدي سعد في مدرسة «أم سليم» بالرياض، ثم انتقل إلى ‏مدرسة «طارق بن زياد» في حي «عليشة»، في إذاعة المدرسة الصباحية كانوا ينشدون «بلاد العُرب أوطاني»، «اللعب في البستاني» «لا ‏تخافي نحن جنود المطافي»، وكان حمدى يحب في تلك السن التلحين، خاصة «كلنا في الحرب جندٌ تحت ‏رايات الوطن»، التي كانت أنشودة مقررة في الصف السادس الابتدائي، كان ببداية حياته الفنية حافظًا الكثير من قصائد الشعر النبطي، وألحان ‏التراث مثل فن «المسحوب»، و«الهجيني»، و«السامري»، و«العرضات»، كان يجيد لعب ‏‏السيف مع الأهالي في الأعياد والمناسبات.

سرعة استيعاب

عندما بلغ حمدي سعد الثالثة عشرة من عمره، رأى والده الولع في عينيه، تلمس إحساس النغم في كفيه، فاشترى له عودًا بخمسين ريالًا، حتى يجلس بالبيت ‏مدندنًا عليه ما يخالجه من إحساس.. كان له قريب يعزف على الآلات النحاسية ‏بالفرقة الموسيقية العسكرية، طلب منه حمدي أن يعلمه العزف على العود، فقال له قريبه: «اسمع يا حمدي.. حينما تعزف ‏من قرار الجواب يكون صوت العود مثل صوت الشايب الكبير، وحينما تعزف على أوتار ‏الجواب يكون صوته مثل الشاب الصغير»، بهذه الطريقة البسيطة في الشرح، تعلم حمدي ‏التأرجح على السلالم الموسيقية بفطرته وسجيته، كان سريع الاستيعاب والحفظ، ‏فانطلق يعزف ويغنى ما يحفظ من قصائد على آلة العود.

الشارع ممر

حضر حمدي سعد مجالس شعراء النبط، خاصة مجلس الشاعر «فالح» الأمير محمد بن عبدالعزيز، والشعراء عبدالله لويحان، وإبراهيم المزيد، ومحمد المنصور، ومحمد ناصر السويلم، وعبدالله الأشقر، وسليمان بن حاذور، وعبدالله العلي الزامل.

عندما أصبح في الـ14 من عمره، بدأ يتذوق الفن، وهو يستمع لإذاعة ‏‏«طامي» التي داومت على تقديم فناني منطقة الرياض، وعلى رأسهم أبو سعود ‏الحمادي، من أهل الدرعية، وفهد بن حوبان، وعبد الله نصار، وعبدالله السلوم، الذي التقاه عن طريق أبو سعود الحمادي، ‏واستمع لصوته، وكان أول سؤال تبادر إلى ذهن ‏‏السلوم: «هل أنت فنان من الحجاز»؟، فرد عليه حمدي: «لا.. أنا من الدرعية‏ ولكني أحببت الغناء، وأعجبت بالفنان عبدالله نجار، حفظت الكثير من اسطواناته»، فقال ‏له السلوم: «اسمع إذن هذا اللحن.. أعتقد أنه يتناسب مع ما تحب»، واسمعه أغنية ‏‏«الأرض أرض الله والشارع ممر»، ليحفظها حمدي من أول مرة ويغنيها، كأول أغنية ‏خاصة به، انطلق بها في الجلسات الخاصة، وتتالت بعد ذلك أغانٍ أخرى، ‏وأمسى حمدي سعد يغني في الجلسات الفنية بالرياض، فلحق نجاح أغنيته الأولى بأغنية «علامك يا نظر عيني علامك».‏

جرأة وإصرار

بعد افتتاح إذاعة الرياض عام 1964 في عهد الملك سعود، صار حمدي يستمع لفنانين آخرين لم ‏يسمعهم من قبل، أمثال طارق عبد الحكيم، وعبد الله محمد، وطلال ‏مداح، تأثر بهم وتفتحت مداركه ومسامعه أكثر على أساليب الغناء والأداء، بعد ذلك بادر وتقدم ‏للإذاعة، لكي يُصَنف، ذهب وهو يحمل عوده في كيس كعادته ليصطحبه معه على «السيكل»، دراجته الهوائية التي كان يتخذها ‏‏وسيلة مواصلات.

وفي مبنى الإذاعة السعودية بشارع الفرزدق في «الملز»، قابل مديرها زهير الأيوبي، الذي لمس إصراره وجرأته، فأخذ بيده للمخرج مهدي ‏الريمي، الذي أعجب به وبما يغنيه، كانت لجنة ‏التصنيف مكونة من الريمي والأيوبي، وبحضور مجموعة من موظفي ‏الإذاعة، غنى حمدي أغنية للفنان السوري فهد بلان، ولما طلبوا منه أن يغني ‏أغنية سعودية غنى «يا من يطمني على الغالي»، سجل بعد ذلك عشرة ‏أعمال له على عوده لصالح الإذاعة، ليطل على المستمعين لأول مرة.

عراقة مدرستين

في إحدى الرحلات العائلية إلى الطائف لزيارة أقاربه عام 1966، حضر حمدي بين روابي ‏وأشجار الطائف تلك الأمسيات الغنائية التي كانت تقام في بساتينها، ورأى وسمع عبدالله ‏نجار، ومحمد الكردي، وحسن حليوه، وغيرهم، ولكن قلبه لم يتعلق ‏سوى بالنجار، فحفظ أغانيه من تلك الأمسية، وأخذ يرددها طيلة الثلاث ليالي في ‏طريق العودة للرياض، لم ينس الصوت الذي ‏أحبه بين بساتين الطائف عبدالله نجار، وسرعان ما ذهب واشترى اسطواناته ليحفظها ‏ويدندنها على عوده، وبهذا كون خليطًا ثقافيًا من عراقة المدرسة ‏الفلكلورية النجدية التي ترعرع بفنها منذ الصغر، والمدرسة الحجازية المتأصلة التي أحبها ‏بصوت عبدالله نجار، وعبدالعزيز شحاتة، وحسن حليوه.‏

شرط السن والاستثناء

كانت فرقة الموسيقى بالإذاعة السعودية تابعة لمعهد موسيقى الجيش آنذاك، وكان يرأسها ‏المصري أحمد سليمان، عم الفنانة أنغام، ومعهم عازف الإيقاع الشهير راضي ‏درويش، الذي كان أحد أعضاء الفرقة الموسيقية، وكانت له معرفه سابقه به، فقال له لماذا ‏لا تلتحق بدورة في المعهد لدينا؟ فقال له أن عمره صغير ولن يقبلوه، فطلب ‏منه إحضار ورقة من الأمير محمد بن عبدالعزيز لاستثنائه من شرط السن، وبالفعل كتب له الأمير محمد -‏يرحمه الله- خطابًا للمعهد لكي يدرس فيه حمدي ويأخذ دورة هناك بإشراف طارق ‏عبدالحكيم، والتحق بالمعهد وتفوق، ونال الإجازة الموسيقية في عزف العود.‏

نجاح تليفزيوني

كان حمدي سعد يقرأ الصحف كعادته فوقعت عيناه على قصيدة جاء في ‏مطلعها:‏

«من فارق الخلان ربي يعينه.. والله يعين اللي على الغبن صبار

يقوله اللي فارق أحباب عينه.. فارقتهم والقلب كنه على نار».

للشاعر عبدالله البابطين، لحن أحد أصدقائه «الفنان صالح سعيد» القصيدة بحثوا عن الشاعر، تحصلوا ‏على تنازل منه لغنائها، وقصد أبواب التليفزيون ليعرضها ‏على مديره في ذلك الوقت عبدالرحمن الشبيلي، فنالت الموافقة على تصويرها بالتليفزيون وعرضها، لتكون أولى أغانيه ‏المصورة تليفزيونيًا، من إخراج سعد الفريح، وحققت نجاحًا كبيرًا جدًا في تلك الفترة.

أروح لمين

سافر حمدي سعد إلى مصر في السبعينيات الميلادية، وغنى في «مسرح شهرزاد» ‏بالقاهرة لأول مرة أمام الجمهور المصري، وكانت ترافقه في الغناء الممثلة صابرين، وهي طفلة لم تتجاوز السابعة من عمرها برفقة والدها، وبدأ حمدي يسجل أعماله باستديوهات القاهرة، ويقول إنه تحدث ‏مع السيدة أم كلثوم هاتفيًا، وقال لها مستأذنًا: أريد أن أغني «أروح لمين»، فضحكت أم ‏كلثوم وقالت له «غني اللي يعجبك»، فغنى وأخذ يرحل من مكان لمكان ناشرًا فنه وصوته.‏

الانتشار

لحن لحمدي سعد معظم كبار الملحنين السعوديين، ابتداء من طارق ‏عبدالحكيم، وفوزي محسون، وعبدالله محمد، وطلال مداح، وعبادي الجوهر، ‏وكان حمدي يحرص دائمًا في بداياته على المشاركة في احتفالات الأندية الرياضية بكل مناطق ‏المملكة، ما أسهم في انتشاره، وما زال مستمرًا في العطاء بحب ‏وبكل صدق في الإحساس باللحن والمعنى في الكلمة.