«والله أني أحبه ومثل روحي غلاه، ودي أنه يجيني لجل جرحي يطيب».. هذا البيت من قصيدة تغنت بالطريقة الشعبية، وتحديدا بطريقة «السامري»، مما أثار شجن الكثير من المتابعين خلال الفترة الماضية. لاقى ذلك الفلكلور ردة فعل واسعة جدا في منصات التواصل الاجتماعي، والملاحظ لتلك التعليقات والردود المشيدة والمعجبة بذلك الموروث الشعبي، يجد أن الكثير منهم أبدى رغبته في زيارة «حائل» للمرة الأولى، والاطلاع عليها عن كثب والتعرف على تفاصيلها، وحضور مثل هذه الفعاليات الشعبية، خاصة حضور جلسة «سامري حائل».

في زاوية ليست بالبعيدة أيضا عن الفكرة نفسها، تداول المتابعون صورا ومقاطع للمنتجات الزراعية في منطقة «الحريق»، وذلك في إطار مهرجان «الحمضيات» المقام في المنطقة، مما أسهم بشكل كبير جدا في تزايد أعداد الراغبين في زيارة المنطقة. مثلها مثل فكرة «الزي الجنوبي» و«طوق الورد» التي انتشرت نهاية الصيف الماضي.

في الولايات المتحدة تعد زيارة حضارة الأميش - طائفة مسيحية في ولاية «بنسلفانيا» تعيش الحياة البدائية بلا كهرباء ولا تقنية - من أكثر الوجهات السياحية التي يرتادها الناس بعد صخب نيويورك ولاس فيجاس وكاليفورنيا بسبب الفكرة المختلفة والبسيطة، كذلك زيارة الريف ومزارع العنب في إيطاليا، وحقول التوليب بهولندا، ومشاهدة رقصه «الفلامنكو» ومصارعة الثيران في إسبانيا.

القاسم المشترك في هذه الصور السياحية هو بساطة الفكرة وجمالها واختلاف التجربة، فهناك زوايا عدة ومتنوعة للسياحة لو استثمرت بالشكل الأمثل، وسوق لها بشكل نوعي ومختلف، فستصبح ملاذا لكثير من السياح سواء من الداخل أو الخارج. ولأننا في المملكة ننعم بالكثير من الملامح الثقافية من تراث أجدادنا والعديد من الألوان الشعبية المميزة، فإن فرص اقتناص السياح كبيرة جدا، خصوصا أننا نعلم أن هناك فئة من السياح قد تقطع أميالا عدة ومسافات طويلة، بحثا عن هذا النوع من السياحة، الذي لا يقتصر على دور المؤسسات فحسب، بل بمقدور العامة، من خلال شبكات التواصل، جذب الجمهور من خلال إبراز ذلك المخزون الثقافي بشكل نوعي ومختلف، بل هي فرصة مواتية لفتح فرص استثمارية عدة سواء لمقدمي المنتجات الغذائية أو حتى الفرق المعنية بالفلكلور. ولعل أبرز الأمثلة في كيفية جذب تلك المنتجات ما كان يحدث في مهرجان التراث والثقافة الجنادرية من إقبال كبير وشديد من الزوار على مشاهدات الفلكلوريات الشعبية، والقيمة الشرائية العالية جدا للمنتجات الغذائية التي تعرضها أجنحة المناطق.

يمتاز هذا النمط من السياحة بقدرته على استيعاب كل الشرائح، ولا شك أن شبكات التواصل الاجتماعي أضفت مزايا عدة ومتنوعة لهذا النمط من السياحة، حتى إنه أصبحت هناك حسابات متخصصة في تقديم هذا اللون من المحتوى، ولكم أن تتابعوا أعداد متابعي تلك الحسابات، لتتعرفوا على حجم الرغبة الشديدة من الجمهور في مثل ذلك الطيف السياحي.

لم يعد مفهوم السياحة، كما كان في السابق، مقصورا على جانب واحد أو محدد، بل تنامت في السنوات الأخيرة مفاهيم أحدث للسياحة، التي اتجهت نحو تخصيص أنماط سياحية جديدة، الأمر الذي جعل رقعة السائح تتسع بشكل يفوق السابق.

ولأن العالم مع التمدن والعولمة أصبحت ملامحه متشابهة، فالمقاهي والمطاعم والفنادق عبارة عن نسخ متشابهة في أغلب مدن العالم، فمن المتوقع أن يشهد مجال السياحة الشعبية نموا أكبر خلال السنوات القادمة، حيث ازدهرت إلى ما قبل «أزمة كورونا» المهرجانات الغذائية عالميا، وكذلك الأيام الثقافية والتراثية التي تهدف إلى إحياء الموروث والفلكلور، خاصة في الدول ذات العمق التاريخي والثقافي مثل المملكة العربية السعودية.

يقول فريدريك نيتشه: كن بسيطا، فإن البساطة بذاتها جمالا.