في مصر يقولون «قابلني ولا تعشيني»؛ بمعنى أن حفاوتك بالضيف أهم مما ستقدم له من الأكل، وتذكرت هذا المثل في يوم مضيت لأحد مجمعات الجوالات والكمبيوترات، وبعد أن مررت بمحل أو اثنين، شعرت بالملل وكدت أعود أدراجي بسبب أن بعض العاملين في تلك المحلات يشعر أنه لو تعامل معك تعامل «البائع الشاطر» وكأنه يهين نفسه، فتشعر أن بعضهم قد تم إقناعه بأن الابتسامة في وجه العميل وخدمته بلباقة لحض العميل على الشراء، وكأنها نوع من التسول، فيقابلك بوجه «متجهم»، ويحاول أن يجعلك تغادر المحل بأسرع وقت، معتقدًا في قرارة نفسه أن «عزة النفس» عكسها «التسويق الناجح».

وبعد أن كدت أفقد الأمل في نجاح «سعودة» هذا القطاع، وفي أحد المحلات وفور دخولي وكأنني قد دخلت بمجلس أحدهم، فكلمات الترحيب والمبادرة لاستقبال العميل، والضحك المؤدب مع العميل، والوعود بما يسر العميل جعلتني أشعر وكأن الأمل عاد لي في أن للتسويق أهمية، فما إن بدأت الحديث مع هذا المستقبل حتى أخبرني بأنه قد افتتح هذا المحل مؤخرًا، وأنه يوصي من يعملون لديه بوصية أن من دخل باب هذا المحل فقد حل ضيفًا علينا، وليس من عادات العرب أن يغادرهم الضيف ولم يجد ما يسر عينه ويشرح صدره.

المهم أنني بقيت في هذا المحل قرابة النصف ساعة وأنا أشعر أن تخصص التسويق لم يدرس في الجامعات «عبثًا» لكثرة العمليات البيعية التي تمت أمام ناظري في هذه الفترة القصيرة، وبهذه السرعة، وقبل أن أغادر فقد عرض عليَّ الاشتراك بحساباتهم المجانية على وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة جديد هذا المحل، ووجدت نفسي أحرص على متابعة الأفكار التسويقية التي يتطرق لها، وكيف أنه يستفيد من خدمات التوصيل المجاني وعمليات الشراء التي تتم داخل المحل وخارجه؛ ليصبح هؤلاء العملاء هم المسوقون بالمجان له.

تذكرت حينها أحد أساتذتي المصريين في جامعة الملك سعود، والذي رأى في عيوننا عدم الحماس لدراسة مادة عن المبيعات، والتي هي خلاصة التسويق، فقال لنا باختصار: «هذا التخصص اللي مش عاجبكم هو سبب احتلال أمريكا وألمانيا والصين لأكبر اقتصاديات العالم، لأنهم يعرفون كيف يبيعون وبس»، وهذه الكلمة كافية لتقنعك أنه حتى السياسة قد تقودها التجارة، فلا سياسي ناجح بلا تطوير للتجارة، ولا تجارة ناجحة بلا سياسي محنّك، وهنا علمت حقًا أن «ابن البلد» إن أدار تجارته بنفسه، حتى وإن كانت «بيع فصفص»، وابتعد عن التستر التجاري واقترب من تطوير ذاته ومن يعمل معه، فهو من جنود هذا الوطن الذين يذودون عنه اقتصاده أن لا يهرب خارج الحدود، وحينها ستغادر هذا المحل أو التجارة وأنت تشعر أن حفاوة هذا البائع بك، حتى وإن لم تجد ما تحتاجه، جعلتك تعود مرارًا وتكرارًا، فقط لأنه اتبع «مبدأ قابلني ولا تعشيني للتسويق».