تسعى الدول النامية ضمن سياساتها التنموية، إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية بهدف تنشيط الاستثمار الداخلي لمقدراتها، وتحريك الموارد المتاحة لديها للاستفادة منها، بتقنية متقدمة وإدارة متميزة ومتمرسة، لتحقق ما تستهدفه في مخططها التنموي من تطلعات، وما تسعى إلى معالجته من تحديات تواجهها في ظل إمكاناتها القائمة، وذلك في إطار رؤية تستهدف إحداث تغيير جوهري في بنيتها التنموية، وضمن إستراتيجيات تسعى نحو تحقيق تحول تنموي في نمط مسيرتها الوطنية، من خلال سياسات تطويرية لهيكل قاعدتها الاقتصادية ولمحتوى منتجاتها الوطنية، وبما ينعكس مردوده إيجاباً على نمو اقتصادي وتنمية اجتماعية شاملة.

تحتاج عملية الاستقطاب والجذب للاستثمارات الأجنبية، إلى حزمة من السياسات التنموية والإجراءات الوطنية، التي تهيئ البنية التحتية والبيئة المناسبة لعمليات الاستثمار الأجنبي المختلف، بعضها يتعلق بالبناء المؤسسي للقطاعات، وما يرتبط به من تحديث سياساتها التنموية لتناسب التوجهات الوطنية، والأخرى تتصل بمراجعة الكثير من التشريعات والقوانين ذات الصلة بالأعمال وتنظيمها، وبالتنمية وتطلعاتها المستجدة وتحدياتها.

عندما توجهت دول النمور الآسيوية نحو تغيير نمط مسيرتها التنموية، بهدف إحداث تحول في واقعها الداخلي وفي مكانتها المهمشة بين دول العالم بناء على إمكاناتها الضعيفة، عملت بدايةً على بناء بيتها الداخلي بما يُسهم في تهيئة البنية التحتية لتحقيق أهدافها وتطلعاتها. فاهتمت بوضع قاعدة وطنية وبُنى تحتية آمنة ترتكز عليها، لتضمن تنفيذ التخطيط الإستراتيجي الذي بدأ بمكافحة الفساد من خلال فرض تدابير تنظيمية صارمة فيما يتعلق بالجانب التشريعي والقانوني والمساواة، وآلية مدروسة لتعزيز قاعدتها الاقتصادية ونظامها المالي، بتجنب الديون قدر المستطاع، وبناء احتياطيات كبيرة من رأس المال والمدخرات.

فانطلقت سياساتها التنموية من قاعدة صلبة تملؤها التحديات التي تكاد تتشابه فيما بينها، بهدف الخروج من مأزق اقتصادي وتنموي، فجُندت له جميع مؤسسات الدولة بقطاعاتها العامة والخاصة، وسُخرت الإمكانات المتاحة لخدمة المشروع التنموي المستهدف. وإذ كان ارتفاع معدل النمو السكاني مع الافتقار إلى الموارد الطبيعية وانتشار الفقر والبطالة والركود الاقتصادي، من أهم التحديات التي بنيت على أساسها السياسات التنموية المعالجة، قامت ببناء شبكة من البنية التحتية المتكاملة وعلى درجة عالية من التقدم والكفاءة، واهتمت بالاستثمار في الإنسان الذي يمثل محور التنمية، بزيادة مخصصات الإنفاق العام على التعليم والصحة والإسكان والبحث العلمي والتقدم التكنولوجي، والذي انعكس بدوره على نمو في إنتاجية العمل من جهة، وقدرة على استيعاب التكنولوجيا المستوردة للدخول في مرحلة التطوير التكنولوجي المستهدف.

تشجيع الاستثمارات الأجنبية واستقطابها، كان أحد أهم السياسات التنموية التي انتهجتها تلك الدول، بهدف تحقيق متطلبات مشروعها الرائد نحو التحول التنموي، والذي تمحورت مرتكزاته حول استيعاب توظيف الأيدي العاملة الوطنية في تلك الشركات القادمة بتكنولوجيا متقدمة، فتقضي بذلك على البطالة والفقر من جانب، وتتمكن من نقل التقنية وتوطينها من جانب آخر، في ظل سياسات اقتصادية وقانونية مشجعة للاستثمار بما يحقق معدلات مرتفعة للربح، كوسيلة لتحفيز الشركات بالمشاركة في تحقيق مشروعها التنموي.

تحفيز الاستثمار الأجنبي يُعد إحدى وسائل تحقيق تطلعاتنا التنموية، وعليه فإن جذب الاستثمار الخارجي يتطلب سياسات اقتصادية وقانونية، تخدم معالجة تحدياتنا القائمة، وتُسهم في تحقيق نقلة نوعية في مسيرتنا التنموية نحو مكانة تناسب ما نتمتع به من موارد طبيعية وبشرية، افتقدتها كثير من الدول النامية التي تألقت وبرزت، نتيجة لسياسات تنموية ناجحة خدمت أهدافها.

ترتبط عملية الاستثمار في الموارد المختلفة بالقطاع الخاص، لكونه الكيان الذي يمكن به استثمار مواردنا المحلية، وعليه يستند تنويع قاعدتنا الاقتصادية، وهو القطاع الذي يستوعب أكثر من 80% من حجم الأيدي العاملة في سوق العمل، وذلك يقتضي تيسير الإجراءات الاقتصادية والقانونية كافة، ذات الصلة بسوق العمل، وتحديث التشريعات واللوائح، بما يستهدف تحفيز الاستثمار الداخلي لمواردنا، وتوجيهها نحو تحقيق أهدافنا التنموية، بحيث تمنح امتيازات تحفيزية للقطاعات المعنية بمعالجة تحدياتنا، سواء في نوع المحتوى الاستثماري الذي تعمل به، أو في حجم ما تستوعبه من الأيدي العاملة الوطنية، وذلك يسري حتى على الشركات الأجنبية المستثمرة، والتي لا بد وأن تُستقطب لاستثمارات نوعية تُحدد مساراتها تبعاً لتطلعاتنا وأهدافنا، لُتسهم في تنفيذ مشروعنا التنموي المأمول بجميع ما نستهدفه من مقدرات، وما نسعى إلى تحقيقه من تحول تنموي يستثمر في الإنسان وفي مواردنا المتاحة.