في الوقت الذي اعتقد العالم بحدوث انفراجة في أزمة كورونا، بعد الإعلان عن عدد من اللقاحات المتطورة والتي كان يرى الجميع أنها ستكون حلاً لمواجهة هذا الوباء القاتل والحد من انتشاره، إلا أنه يومًا بعد يوم يتضح أن كورونا أكبر من فيروس مجهري كبقية الفيروسات التي واجهتها البشرية وانتصرت عليها عبر التاريخ. فكوفيد - 19 كالمستعمر الجديد الذي فعل في البشر ما لم تفعله الحروب والكوارث، وأصبح جليًا أن العالم بعد كورونا لن يصبح كما كان قبله. كان الكثير يخشى ويخاف من الحروب النووية، وأنها قد تكون السبب في دمار البشرية وتوقف الحضارات، ولكن أصبح الآن بمقدور كائن مجهري أن يقوم بهذا الدور. كوفيد - 19 لم يدمر فقط الاقتصاد العالمي، وإنما قبل ذلك فتك بمشاعر البشر، وقدرتهم على التعايش، بل تلاعب بمشاعر الحزن والفرح. اعتقد العالم بعد تخفيف قيود الحجر الصحي وبدء التطعيمات، أن الكارثة انتهت، وأن العالم سيعود ليتنفس هواء نقيًا ، وأن تلك الكمامات التي كانت كالأقنعة سيتم التخلص منها، إلا أن كوفيد - 19 أبى أن يغادر هذه المعركة مبكرًا، ولم يكتف بكل الضحايا، وعاد ليضرب وبقوة في أوروبا وأمريكا، مخلفًا أرقامًا أكبر من تلك التي سجلتها الموجة الأولى. أوروبا حاليًا تواجه أزمة في عدد الضحايا الذين يرحلون دون وداع، وفي الحزن الذي يجتاح العائلات دون سابق إنذار، وفي عجر شركات اللقاحات عن احتواء الموقف. التركيبة العقلية والنفسية للمجتمعات تغيرت بعد كورونا، وأصبح هاجس الرعب هو المسيطر على العالم، وانتشرت الشائعات حتى أصبح من الصعب التفريق بين الحقيقي والمزيف. اختفت كل علامات المشاعر الإنسانية كالسلام والأحضان والأفراح والأعياد والتعابير الجسدية، إلا أن كل هذا لم يكن كافيًا لردع الفيروس.

مع الإعلان عن ظهور اللقاحات، استبشر العالم خيرًا، وكان هناك فعلا تناقص في عدد الحالات. إلا أن الجائحة عادت من جديد لتضرب بقوة، بريطانيا تتحدث عن أزمة في المقابر حسب تقرير صحيفة الميرور عن الفوضى في دور الجنازات. زادت الوفيات في بريطانيا بشكل خاص وأوربا بشكل عام بمقدار الثلث. منذ بدء الأزمة حصد كوفيد - 19 ما يقارب المليونين وربع المليون، وخلال الأسبوع الماضي تجاوزت الوفيات الـ 96 ألف وفاة. تأثير كوفيد القاتل تجاوز كل تأثيرات الحروب والكوارث الأخرى. مئات آلاف من البشر اختطف كوفيد احلامهم وآمالهم، أفقدهم أسرهم وأصدقائهم. حتى وسائل التواصل أصبحت تتشح بالسواد ويغلب عليها أخبار النعي وفقد الأحباب. تتحدث الإحصائيات عن فقدان ما يقارب الـ 200 مليون لوظائفهم وما زال التأثير مستمرًا. لم تقتصر خسائر الكوفيد على الحياة والاقتصاد، بل تجاوزت لتتدخل في السياسة وتؤثر بشكل كبير في الانتخابات الأمريكية وغيرها من القرارات السياسية.

مع عودة بعض إجراءات الحجر على المجتمعات أن تتكيف مع هذا الوباء وألا تتراخى في مواجهته، وأن تعلم جيدًا أن أفضل طريقة للتغلب عليه هي تغيير السلوكيات المجتمعية التي قد تكون بيئة خصبة لتكاثر الفيروس وبقائه.