قبل أكثر من عقد من الزمان، كنت مسؤلاً عن حرس الحدود في أرخبيل فرسان، والذي هو مجموعة من الجزر الواقعة في الجنوب الغربي للمملكة، يبلغ تعدادها مائتين واثنين وستين جزيرة، تحيط بها ألفان ومائتان وستة وخمسون صخرة، وستة وثلاثون ضحضاحًا.

أكبر هذه الجزر مساحة هي فرسان الكبير، مساحتها الإجَمالية ثمانية وثلاثون ألفًا ومائة هكتار، وطولها ستة وستون كيلومترًا، وطول شواطئها مائتان وستة عشر كيلو مترًا، تليها مساحة جزيرة السبيل، بمساحة إجمالية تقدر بأربعة عشر ألفًا وتسعمائة هكتار، وطول شواطئها أربعة وتسعون كيلو مترًا.

وتتفاوت جزر الأرخبيل الأخرى من ناحية المساحة وطول الشواطئ، وفرسان محافظة كبيرة، فئة (أ)، تعداد سكانها أكثر من ثلاثين ألفًا في ذلك الوقت، ويوجد بها عدد من المحميات، حيث يستوطن بها غزال الآدمي منذ مئات السنين، في جزيرتي فرسان الكبير وزفاف، وقد بلغ تعدادها في ذلك الوقت إلى أكثر َمن ثلاثة آلاف غزال. ومما سبق إيضاحه فإن ذلك يجعل مهمة حرس الحدود صعبة وشاقة، ولكن وجود الرجال المدربين على المعدات الحديثة البحرية والبرية، سهل مهامهم، وأصبحوا ذوي كفاءة عالية في مكافحة التهريب، والنجاح في عمليات البحث والإنقاذ، حتى أصبحوا أفضل حرس حدود على مستوى العالم الإسلامي والأوروبي؛ لأن أساسه دولة عظيمة ورجال مخلصون.

ففي ساعة متأخرة من الليل، حيث كانت الأجواء صعبة، لسرعة الرياح وارتفاع الأمواج، وردنا اتصال من إحدى دورياتنا البحرية، يفيد أنهم رصدوا بالرادار هدفًا عائمًا إلى الغرب من جزيرتي زفاف وساسوه، على بعد عشرين ميلًا من اليابسة، وعند الاقتراب منه وجدوه قاربًا به عدد كبير من الأشخاص في وضع سيئ، وأكثرهم فاقدي الوعي، وأنهم سوف ينفذون عملية إنقاذهم وسحبهم إلى رصيف مركز «ختب»، وقمنا بتوجيه عدد من الدوريات البحرية لمساعدتهم بالمراصفة، وتجهيز سيارات الإسعاف بالتنسيق مع مستشفى فرسان، للمساعدة بسيارات الإسعاف والأطقم الطبية اللازمة لمثل هذه الحالات.

بعد إنقاذهم جميعًا وعلاج البعض منهم في المستشفى، اتضح أنهم من الجنسية السرلانكية، وعددهم حوالي ثلاثة وسبعون شخصًا، تعطل بهم القارب قبل عدة أيام في عرض البحر، وتركهم قائد القارب يواجهون الموت، حيث كانت وجهتهم إلى إيطاليا لطلب الرزق، بعد أن جمع قائد القارب، «سيرلانكي الجنسية»، أكثر من ألفي دولار من كل واحدٍ للإبحار بهم إلى إيطاليا، بعد أن باعوا جميع ما يملكون، وعندما عجز عن إصلاح القارب، تركهم بمساعدة قارب عابر بالمكان نفسه، قائده معدوم الضمير.

وبعد أن شعر الجميع بالراحة والاطمئنان نتيجة ما تم توفيره لهم من عناية طبية، ومكان مريح لإقامتهم، بانتظار قدوم مندوب قنصلية سريلانكا بجدة لمساعدتهم في العودة إلى بلادهم، خاب أملهم بعد اجتماعه بهم، حيث طلب منهم الاتصال بأقاربهم لمساعدتهم بالعودة إلى سريلانكا.

وما أن سمعوا ذلك حتى بدأوا البكاء والصياح، وكاد البعض منهم يُقدم على الانتحار، وقد منعنا ذلك، وتمكنا من تهدئة الوضع، وقلنا أنتم في بلد الخير والعطاء، لأننا لمسنا منهم أنهم فقراء، وأن ما جمعوه طيلة حياتهم دفعوه لمن وعدهم بالأحلام الزائفة، جاءهم الفرج من حكومة خادم الحرمين الشريفين بالتوجيه باستئجار طائرة خاصة لنقلهم إلى سريلانكا على نفقة المملكة، فكانت فرحتهم لا توصف.

ونتيجة الاهتمام والمعاملة الحسنة، منذ إنقاذهم حتى تلقيهم خبر مغادرتهم، اعتنق أكثر من الثلث منهم الإسلام، وغادروا أرخبيل فرسان وهم يهتفون بصوت عال.. تحيا قيادة المملكة العربية السعودية.