في خضم التغيرات التي أصبحت واضحة للسياسة الأمريكية فيما يتعلق بالحرب في اليمن والتي يمكن قراءتها من خلال قرارين جوهريين صدرا خلال الأسابيع الأخيرة من الإدارة الأميركية، تمثل الأول بوقف بيع الأسلحة في ما وصف بالمجهودات العسكرية في اليمن، إلى جانب قرار إزالة جماعة الحوثي من قائمة الجماعات الداعمة للإرهاب، يصبح من المهم العمل على محاولة فهم ماهية الإستراتيجية التي اتخذتها وستتخذها الإدارة الأمريكية الحالية في التعاطي مع هذه الأزمة، التي دخلت عامها السادس دون أن يكون هناك أي بوادر حقيقية لحل سياسي شامل.

الرئيس جو بايدن اتخذ المبادرة منذ أيامه الأولى في البيت الأبيض لتسهيل مشاركة الولايات المتحدة في الانخراط في ما وصف بالحل الدبلوماسي في الحرب باليمن، وتحويل الجهود نحو إيجاد الحل بعيداً عن الحسم العسكري وسياسة الأمر الواقع التي يحاول الطرفان وفق التفسير الأمريكي فرضه على الآخر، وهي خطوة جذبت انتباه إيران التي تلعب دورًا معروفاً في الصراع باعتبارها مؤشر رغبة أمريكية للحديث والتفاوض بعيداً عن سياسة الإدارة السابقة المنتهجة مسلك المواجهة والضغط.

السفير الأمريكي السابق في اليمن والذي يعمل حاليا نائباً أول لرئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن (جيرالد فيرستين) قال إن أي جهد ناجح لإدارة بايدن لإنهاء القتال في اليمن والعودة إلى العملية السياسية هناك يمكن أن يسهم بشكل مباشر في الحد بشكل عام من التوترات في المنطقة، في حين قال بيتر سالزبوري المحلل المتخصص بشؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية إن التحدي الأكبر في اليمن بالنسبة لإدارة بايدن سيكون إيجاد نهج يولد قبولًا من جميع المجموعات الإقليمية المختلفة المنخرطة في الحرب، وهو وفق تقديره أصعب بكثير من إنهاء الدعم للحرب أو التراجع عن تصنيفات الإرهاب، واصفاً الجهد الأمريكي القادم في هذه الأزمة بأنه سيكون عملا طويلا وشاقا.

ولكن يبقى هنا السؤال عن ماهية الإستراتيجية التي ستتبعها إدارة بايدن لإيجاد هذا الحل السياسي للأزمة اليمنية، في وقت تستمر التصريحات الرسمية الأمريكية في مجملها عامة وتحمل في ثناياها اللعب على التوازنات وإرسال الرسائل السياسية للأطراف، وتحديداً إيران والسعودية، دون أن تقطع الشك باليقين حول المسار الذي ستنتهجه، فالأزمة اليمنية وفق التعاطي الأمريكي هي أزمة بين السعودية وإيران قبل أن تكون أزمة داخلية يمنية تمثلت بانقلاب جماعة على حكومة شرعية، فـ(نيد برايس) المتحدث باسم الخارجية قال في أكثر من مناسبة مؤخراً إن حملة الضغط الأقصى التي انتهجتها إدارة ترمب تجاه إيران تبين وفق تقديره أنها فشلت، حيث قامت إيران بتسريع برنامجها النووي وتكثيف أنشطتها الإقليمية، مضيفاً أن بايدن ووزير خارجيته «أنتوني بليكن» مصممان على استئناف الدبلوماسية كوسيلة أكثر فعالية لتحقيق الأهداف الأمريكية، أما بالنسبة لتفاصيل كيفية تحقيق ذلك فلم يبين مكتفياً بالقول إن الإدارة تعتزم التشاور عن كثب مع الكونجرس وحلفاء وشركاء أمريكا، وهو توجه يتماشى بشكل واضح مع تعاطي الإدارة مع الأزمة في اليمن، فالضغط على الحوثي لم يؤتِ ثماره بعد ست سنوات من القتال المستمر وفق رأي الإدارة بل خلق حالة أكثر تعقيداً .

من المهم لفت النظر هنا إلى أن الجهد الدبلوماسي الذي بدأته إدارة بايدن من خلال تعيين مبعوث أمريكي جديد لليمن (تيم ليندركينج) يأتي في سياق عملية بدأت بالفعل بين السعودية والحوثي منذ عام 2019، فالمحادثات بين الأطراف بوجود المبعوث الأمريكي لن تبدأ من الصفر، فعلى مدى العامين الماضيين تمت مناقشات عديدة على الرغم من استمرار الحرب، وذلك إما من خلال وسطاء أو من خلال خطوط الاتصال السعودية اليمنية كما تشير مصادر أمريكية متعددة.

إذاً أين يقف الموقف الأمريكي اليوم وقد دخلت إدارة بايدن لهذا المسرح الملتهم بشكل مختلف عما كانت عليه المشاركة الأمريكية في السنوات الماضية؟، وهو سؤال يتفق حوله العديد من المتابعين هنا في واشنطن حول إجابته، وهي وجوب أن تلعب الولايات المتحدة في هذه المرحلة الأولى على الأقل دورًا مخففًا للتأزم بين الأطراف على الأرض وربما دورًا أكبر في مرحلة لاحقة، إن هي تسلحت بإستراتيجية شاملة في التعاطي مع الجهات الفاعلة العديدة التي لها مصالح في نتيجة الحرب، دون أن تتعاطى مع الأزمة فقط من خلال ربطه بالاتفاق الأشمل والأصعب مع الطرف الإيراني، فالخطوات يجب أن تبدأ بتلك التي يمكن حلها أو على الأقل التي يمكن أن تساعد في بناء جسر تواصل وثقة بين الأطراف المؤثرة في المسرح الإقليمي، هذا إن كانت الولايات المتحدة جادة بالفعل في إيجاد مسار عملي لحل أشمل.

التحدي الأكبر الذي سيعيق التقدم بحل سريع في هذه المرحلة ولذلك يجب أن يكون التركيز على تخفيف حدة الصراع والتأزم بين الأطراف، ومن غير المرجح وفق العديد من المتابعين والمتخصصين أن يقبل الحوثيون باتفاق تقاسم السلطة، رغم أن العديد من اليمنيين قد لا يقبلون بأي دور حكم شرعي للحوثيين بالنظر إلى الفظائع الإنسانية التي ارتكبتها الجماعة منذ انقلابهم على الشرعية، في وقت قد يشهد الصراع ومحاولات حل الأزمة خلال الفترة القادمة دخول جهات فاعلة خارجية أخرى قد تكون أكثر تدخلًا في الصراع من الجهات المنخرطة فيه اليوم، فروسيا والصين قد تحاولان أن تلعبا دورا أكبر في عملية المحادثات ووضع الشروط والتأثير على مخرجات الاتفاق، خصوصا في ظل علاقاتهما القوية مع إيران، فالإستراتيجية الأمريكية الجديدة في اليمن قد تدفع روسيا والصين كما يرى البعض إلى استخدام نفوذهما على الحوثيين لجعل مشاركة الولايات المتحدة أكثر صعوبة.

من الواضح أن إدارة بايدن اليوم تعمل على خلق حالة من المراجعة المرحلية لتحديد ماهية الإستراتيجة التي ستتخدها بشكل نهائي في التعاطي مع الأزمة، فهي حالياً في مسعى لإرسال الرسائل والضغط والمغازلة والتطمين والتخويف والالتزام والتخلي دون أن يكون أي من تلك المكونات قراراً نهائيا، فهي ببساطة تعمل على خلق واقع جديد للتفاوض قد يضعف البعض وقد يقويهم، فالمهم بالنسبة لبايدن وإدارته هو أن تكون الظروف التي ستشكل بناء عليها إستراتيجية إدارته بخصوص اليمن تخدم المصالحة الأشمل لها، وهي المتمثلة في خلق واقع جديد للمنطقة وفق المعطيات التي تخدم سياستها العليا، إلا أن الوقت ليس بالضرورة في صالح بايدن وإدارته، فالأزمة قد تتحول من أزمة إقليمية لأزمة تشابه وفق رأي الكثير من المراقبين في واشنطن الأزمة السورية، هذا في حال استمر الموقف الأمريكي لمدة أطول في حالة الاختبار والتردد ظناً منها بأن الوقت في صالحها.