قصص كثيرة نسمعها، عن أطفال وشباب نهجوا العنف والتحقوا بركب الجماعات المتطرفة، وأصبحوا قتلة مأجورين، لا يروي عطشهم إلا دماء الأبرياء، ولا يسر ناظرهم إلا مشهد الخراب والدمار. واليوم نرى العيادات النفسية تتوسع في استقبال العديد من الأطفال الذين انتشرت بينهم حالات التوحد والعنف والشرود والسلوكيات الغريبة. وكما هو معروف هناك علاقة وطيدة بين ضغوط وأحداث الطفولة، وبين تشكل الشخصية المستقبلية لهذا الطفل.

كتب عبدالله الحريري في مقاله بصحيفة «الرياض» بتاريخ الأول من رجب للعام الجاري، مقالاً بعنوان «حتى لا يتحول الأبناء إلى روبوتات شريرة» ذكر فيه عدداً من حالات الأطفال الذين يعانون من الشرود والسلوكيات العدوانية والإيذاء الجسدي مع تدني المستوى التعليمي، ويذهب الحريري في مقالته إلى أنه وببحث الأسباب، وجد أن من أهمها انغماس الطفل في ألعاب فيديو ذات محتوى عدواني، فأصبح الطفل يأتمر بأمرها ويقلد سلوكياتها.

كنت قد تطرقت في مقال سابق بصحيفة الوطن إلى أن الاقتناع بأن الأجيال القادمة ستكون على ما يرام، وأن الآباء والأمهات سيظلون يمسكون بزمام الأمور، هو اقتناع غير صحيح في ظل تحدي التكنولوجيا. ومنذ عام 1970 تقلص نشاط الطفل بالمنزل بمقدار %95، وترتب على ذلك ظهور أمراض سوء التغذية وغياب الرياضة والعزلة الاجتماعية. لقد أصبح %80 من الأطفال يتعاملون مع أجهزتهم الإلكترونية فور استيقاظهم من النوم.

وكتبت العالمة «سو بالمر» عن مصطلح «اضطراب نقص الطبيعة» عندما لا يمارس الطفل الأنشطة اليومية، كاللعب تحت المطر وتسلق الأشجار، واللعب مع الأطفال الآخرين. كما أن ما يكتسبه الأطفال من حرية واستقلالية وفكر، يكون أكثر عند الأطفال الذين يمارسون حياتهم الطبيعية، بعيدا عن الانطواء والعكوف على الأجهزة الإلكترونية. في تقرير صدر عام 2012 بعد استطلاع رأي لـ400 معلم بريطاني، كانت النتيجة أن %75 من أولئك المعلمين، وجدوا انخفاضا في انتباه الأطفال وقدرتهم على التركيز. وكانت معظم الدراسات في هذا الجانب تتلخص في أن مستقبل الأطفال مع التكنولوجيا الرقمية، مجهول، ومن الأفضل أن يمارس الطفل حياته الطبيعية بلا قيود.

الجمعية الأمريكية لعلم النفس راجعت العنف في ألعاب الفيديو، ووجدت أن تأثيرات تلك الألعاب تركزت في سلوكيات التهديد والضرب والإهانة، ومحاولات الانتحار، وأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين تلك الألعاب وارتفاع السلوك العدواني، وانخفاض الجانب الأخلاقي والعاطفي.

وكانت منظمة الصحة العالمية في عام 2017 قد أدرجت رسميا مصطلح (اضطراب الألعاب) كإدمان سلوكي، عندما أصبحت تلك الألعاب لها أولوية على الاهتمامات والأنشطة الأخرى، بل والاستمرار في عملية اللعب على الرغم من ظهور الأعراض السيئة، وعدم التعامل معها في وقت مبكر.

أخيرا لا بد لكل رب أسرة أن يتدخل لإيقاف هذا السلوك العدواني الذي يكتسبه الأطفال، ولا بد من إنشاء جمعيات مجتمعية وحكومية تعنى بهذا الجانب، وتهتم بصحة الطفل النفسية، وتمارس نوعا من الرقابة على العنف والإرهاب الذي يستهدف عقول الأطفال.