شكلت وزارة الثقافة هيئاتها الإحدى عشرة وفق منظومة تهدف إلى شمولية الجوانب الثقافية، واستقصاء الزوايا المختلفة لمكونات المجتمع، وفتحت الآفاق أمام هذه الهيئات، لممارسة دورها في رسم وتشكيل وحفظ الهوية الثقافية وفق اختصاصات منفصلة المهام، لتسريع عجلة النمو الثقافي، وإبراز هوية المملكة، وكنوزها الثرية، وهذا أمر نؤمل منه مردودا إيجابيا، يحفل بالمنافسة بين هذه الهيئات نحو الهدف الأسمى للرسالة الإنسانية للثقافة، والمضي نحو التنوع والثراء.

من المميز في هذه المرحلة إفراد الثقافة بالاهتمام بعد أن كانت رديفة، أو جزءا ثانويا ضمن حقيبة أخرى، ويبدو السعي بكل شغف نحو بناء منظومة ثقافية تتساوى فيها كل المكونات، وتبرز من خلالها كل المفردات، وتتخذ منحى مختلفا يرسخ التعايش الثقافي داخليا، ويؤدي رسالة الثقافة عالميا.

وعندما ندقق النظر في اتجاهات الثقافة، بناء على أثر التقانة، نجد لزاما علينا مسايرة مجرياتها، واستغلال أوعيتها وعناصرها، وصناعة الأثر، وتنشيط المسار الثقافي الناشئ بتنظيماته وأهدافه من خلالها، وكذلك مراعاة جانب الفجوة بين مرحلتين بخلق النموذج الثقافي المناسب، وملء المشهد بالحراك الحيوي الذي يلبي الرغبات بتنوعه وثرائه وفاعليته في بناء العقل الغني بالإبداع والتفكر واحترام الموروث، والاعتزاز بكل مفرداتنا الثقافية، والإيمان بالتعددية الفكرية.

ما يدفعني للخوض في هذا المجال حاجتنا القائمة على رغبة في الحصول على محتوى ثقافي موثوق، يسهم في دفع مسيرة الثقافة في الوطن، يتجدد وينمو ويجمع شتات هذا المجال بانتقاء احترافي، ويقدمه للمثقف والباحث والشغوف بالاطلاع، وصولا إلى الجذب والإمتاع من خلال محتوى رقمي بديل عبر كل الأجهزة الذكية التي أصبحت مصدر الثقافة والمعرفة بوصولها السريع وانتشارها المهيب، فلم يعد الكتاب مصدرا، ولا الصحف والدوريات، فكيف يمكن لجيلنا الناشئ أن يتلقى ثقافته، ويتصل بإرث أجداده وتاريخه عبر مصادرها الحديثة؟ كيف يمكن للمربين وأولياء الأمور توجيه أبنائهم نحو منصات مختارة موثوقة في محتواها العلمي، مليئة بالمضامين الرصينة المتنوعة لمختلف المجالات: التربوية والدينية وعلوم اللغة والتاريخ والاجتماع والفنون والفلسفة.. إلخ؟.

وجود هيئة لإدارة محتوى الثقافة الرقمية، وإصدار تطبيقات ومنصات رقمية على محركات البحث، أمر في غاية الأهمية والأولوية، بالشراكة مع القطاعات ذات العلاقة، وأهمها وزارة التعليم ومؤسساتها الجامعية، ومراكز البحث، والهيئات العلمية، ووزارة الإعلام، وهيئات الثقافة الأخرى كافة، بالتعاون مع لجنة الـ«إسكوا» بمنظمة الأمم المتحدة، بما يمكن أن يكون داعما ومحفزا للحراك الثقافي، وتعزيز مكانته، وتقوية صلاته بشعوب العالم والثقافات الإنسانية، وتشجيع قيام شركات ناشئة متخصصة في المجال.

خلاصة القول، أوجه السؤال إلى وزارة الثقافة بحكم الاختصاص: كيف نوجه أبناءنا إلى محتوى ثقافي يصنع منهم مثقفين؟، وأين نجد لهم محتوى منظما موثوقا بديلا عن الشتات المنثور في محركات البحث ومزالق التقنية؟، وبالطبع ليس من المنطق أن تجمع لنا وزارة الثقافة كل مفردات العلم ومصادر المعرفة ومختلف الفنون في منصة واحدة!، لكننا بحاجة إلى مسارات رئيسة في التاريخ الوطني، والثقافة الدينية، والقيم الإنسانية، والفنون الجمالية، وغيرها في موسوعة ثقافية رقمية، مصنفة حسب فئات المتلقين، مع مراعاة تخصيص جزء كبير منها للطفل الذي يعد القاعدة الرئيسة لجيل المستقبل، والذي يقع تحت ضغط غير مسبوق، ويتلقى هذه التحولات الهائلة والموجات المتلاحقة لثورة التقنية والذكاء الاصطناعي، وسط عجز الجهد التربوي، وندرة المحتوى المناسب والمتجدد في خدمة هذه الفئة، وهو مجال مشترك يلعب فيه الإعلام دورا بارزا، ولعله ينال نصيبا من الاهتمام والعناية من المؤسسات كافة.