لو تعرض رجل سليم وقوي البنية، محافظ على نظامه الصحي والغذائي والرياضي لوعكة صحية أو إصابة جسدية، سيكون أكثر صمودا ورجوعا للتشافي مقارنة برجل هزيل الجسم لا يهتم بصحته ونشاطه البدني. (وتعرف هذه الخاصية بسرعة الاستجابة والتشافي («Resilient Body»اجتماعياً ! لوتعرض شخص ذكي يملك القدرة والسيطرة على مشاعره وانفعالاته، لمحاولة الاستفزاز والاستدراج نحو الانفعالات والغضب، سيكون أكثر سيطرة ووعياً لإدارة المواقف المُستفِزة مقارنة برجل لا يمتلك السيطرة على مشاعرهِ وانفعالاته. (وتعرف هذه الخاصية في علم الاجتماع والتنمية البشرية بالمرونة («Resilient People» في القرن التاسع عشر شهِدت أغلب مقاطعات لندن البريطانية زيادة في النمو السكاني، وانتشر في إحدى مقاطعات لندن وباء لم يكن معروفا حينها. وبسبب الارتفاع في عدد الوفيات فَر سكان مقاطعة سوهو اللندنية للمقطاعات المجاورة. وظهرت العديد من التخمينات بأن الوباء ينتشر في الهواء، وأخرى تقول بوجود جرثومة، وغيرها من التخمينات الخطأ، إلى أن ظهر الطبيب الإنجليزي «جون سنو» بالسبب الفعلي، وهو تلوث المياه بسبب عدم وجود نظام صحي للتخلص من النفايات والمياه العادمة، التي تسربت مع الأيام والسنين لمنسوب المياه وأدت للتلوث البيئي، الذي كان المسبب الأول لتفشي الوباء الشهير في بريطانيا عام 1854، والمعروف بوباء الكوليرا والذي قضى على المئات في غضون أيام معدودة. وكان هذا الوباء درساً للإنجليز وللعالم أجمع للاهتمام بالبنية التحتية المتعلقة بجوده المياه والحفاظ عليها من جميع الملوثات.

ومنذ تلك الفترة أصبحت شبكات البنى التحتية تتطور تدريجياً لتضمن الحفاظ على الصحة العامة وتلبية الاحتياجات البشرية. وتطورت المدينة في تصميمها وتشغيلها لتشمل مجموعة الأنظمة البيئة والشبكات الإنشائية: كنظام للتصريف الصحي ومعالجة المياه العادمة، ونظام وشبكات توزيع المياه، ونظام التخلص من النفايات، كذلك شبكات النقل والمواصلات، والكهرباء والاتصالات. ونجحت المدينة ذات البنية التحتية المتينة في مرونتها وصمودها وفي وجه الكوارث الطبيعية كالفيضانات والسيول والعواصف الرملية. ولكن في وقتنا الحالي أصبحت التحديات أكثر تعقيدا وخطرا على حياه البشر والبيئة بشكل عام. فمع تزايد مؤشرات التغير المناخي وظهور الأوبئة أصبحت الكوارث تتعاقب بشكلٍ متكرر ومخيف. بل الأمر والأدهى أخطار الأوبئة البيولوجية والتي تزداد بشكل متسارع. ففي العقدين الماضيين تم اكتشاف أكثر من 15 نوعا جديدا من الفيروسات: الإيبولا، سارس، الوادي المتصدع، الجمرة الخبيثة، وكوفيد وجماعته وغيرها. وهذا يقودنا للتفكير في المثالين السابقين في مقدمة المقال. هل من الممكن أن نبني مدينة مرنة لديها القدرة على سرعة الرجوع والتشافي خلال أو بعد حدوث الكوارث الطبيعية والبيولوجية؟ وهل تشبه المدينة الإنسان الصحي والإنسان الضعيف في مواجهة المرض؟ نعم ففي السنوات الماضية تم إطلاق العديد من الدراسات الدولية والأبحاث الهندسية للوصول لأهم الأسس الهندسية والتشريعية لبناء المدينة الصامدة «Resilient City». فلم تعد البنية التحتية المتينة والنظام الصحي بمستشفياته ومراكزه المختلفة، ونظام الدفاع المدني والعسكري التقليدي كافياً لجعل المدينة أكثر مرونة وصموداً للحفاظ على حياة البشر. بل يتطلب الأمر ابتكار وتطوير العديد من الأنظمة والبنى التحتية الحديثة. سيكون شكل وأنظمة المدينة أكثر تعقيداً، وفي الوقت نفسه أكثر انسجاماً لتعمل بشكل مدمج، لتوظيف العديد من الأنظمة والتقنيات الصحية و الرقمية.

فمن المعلوم أنه كلما زادت المخاطر والتحديات في هذا الكوكب، توصلت البشرية لحلول تقضي وتقلل من هذه المخاطر لتستمر الحياه. ستغير النانو تكنولوجي، إنترنت الأشياء، والذكاء الاصنطاعي وأنظمة الروبوت والتطبيقات الذكية وغيرها من التقنيات الرقمية المفهوم التقليدي للبنية التحتية للمدينة. ستعلب هذه النظم دورا كبيراً في إدارة المدينة صحياً واقتصادياً ومجتمعياً وبيئياً لتكون المدينة أكثر صمودا ومرونة واستدامة.

في الختام، رسالة لصُناع القرار والمسؤولين عن إدارة المدن «ستكون مدن سعودية أكثر ضعفا وعرضة لتفاقم الكوارث الطبيعية والبيولوجية إذا لم تتخذ خطوات حثيثة ومتسارعة لتطبيق مبدأ Resilience.