أصدرت الحكومة السعودية قرارها قبل أيام بإيقاف التعاقدات الحكومية مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة خارج المملكة العربية السعودية، بدءًا من مطلع 2024، حيث يشمل القرار الهيئات والمؤسسات والصناديق التابعة للحكومة أو أي من أجهزتها.

يأتي هذا القرار بعد معاناة كبيرة عاشتها المنطقة بسبب وباء الكورونا والتبعات الاقتصادية التي يعيشها اليوم القطاع الحكومي والخاص مجتمعين، فقد أصبح اليوم الحد من التسرب الاقتصادي مطلبًا ضروريًا، ورفع كفاءة الإنفاق تحديًا مصيريًا، وضمان أن المنتجات والخدمات التي تشتريها المؤسسات الحكومية يتم تنفيذها بمحتوى محلي أصبح مطلبًا وطنيًا.

انتهز البعض من الوكالات الأجنبية كعادتها الفرصة لدس السم بالعسل، محاولين إخراج القرار من أصله، حيث شاهدنا كيف تحول هذا القرار بساعات إلى الشغل الشاغل لوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام العالمي، والذي انتهز البعض فيه الفرصة لتمرير رسائل ملتوية لا تشبه حالنا، ونحن في حاجة لها خاصة بهذا التوقيت.. محاولين تحويل القرار إلى حرب اقتصادية بالمنطقة الخليجية، وكأن المنطقة مع النمو الاقتصادي والبشري والسياسي الذي تعيشه لا تتحمل مراكز قوى متعددة! وكأن بروكسل محتها برلين، وفرانكفورت غلبتها باريس بأوروبا! فشيكاجو لمن يفكر لم تغلب نيويورك بأمريكا وهم في دولة واحدة!

التنافس الإيجابي هو ما تحتاجه المنطقة الخليجية والعربية معًا.. فبناء كيانات عملاقة تقف كسد حصين أمام الأطماع بالمنطقة الخليجية خاصة، وأمام من يحاربوننا حروبًا بالنيابة بصواريخهم على ظهور مرتزقة يرتزقون بأوطانهم.. أمام من يسبونا على شاشات التلفزيون كل يوم، ويجحدون المعروف، ويتنكرون عن تاريخ مواقفنا معهم.. أمام كل من تسول له نفسه التقليل من قدرة هذه الشعوب المجتهدة، والعازمة على النهضة والبناء.. فإعادة اكتشاف النفس هو من بوادر الصحة والتعافي للدول والشعوب والأمم، خاصة أن السعودية اليوم هي الاقتصاد العربي والخليجي الوحيد في مجموعة العشرين، والسعودية والإمارات مجتمعتين هما اليوم من أكبر اقتصاديين بالوطن العربي، إن لم يكونا الأكبر.. وخمس دول خليجية -قرائي- هي اليوم ضمن قائمة أكبر عشرة اقتصادات عربية بالمنطقة.. فلماذا الفتنة؟!

السعودية رضي البعض أو أبى ستستقطب الكثير والكثير المثير، من خلال التحول الإصلاحي الكبير الذي تعيشه اليوم.. وستستقطب الأكثر من خلال عملية البناء اللامعة التي تقوم بها اجتماعيًا واقتصاديًا وتشريعيًا، والتي هي الأكبر والأسرع في تاريخ الشرق الأوسط، والقادم، بإذن الله، أجمل لكل دول الخليج، وليست الرياض وحدها، فنحن لن نتقدم ولن ننهض بلا أن نكون يدًا واحدة مع إخواننا الخليجيين متكاتفين مكملين لبعض، نتسابق ونتنافس بيننا سباقًا صحيًا وإيجابيًا على المراتب والمؤشرات العالمية للنهوض بشعوبنا بعد هذا المشوار الذي مشيناه لنصل بهم إلى مقدمات الأمم وبحر الأمان.

فالرياض مهما فعلتم ستبقى الرياض، ولن تصبح في يوم من الأيام «دبي»! تمامًا مثلما الكويت لن تصبح المنامة، ولا مسقط المنامة! فكل مدينة بناسها ومن يربى فيها، وبمن يتعلم ويبني بها.. فالرياض ورقتها ورقيها ستبقى الرياض، وأبوظبي ستبقى أبوظبي.. لأن الرياض اليوم بلا أي تحيز غنية بالعقول الوطنية والشباب المثابر بين إناثها وذكورها، والذي يقارب عددهم مواطني دول الخليج مجتمعين.