مربكة هي المتغيرات السياسة التي تجعل الرؤى والاتجاهات مشتتة، بحيث تمنح الفرصة للحمقى لتسيد المشهد من أجل فرض أجنداتهم ذات الغايات والمصالح التي ضررها يعلو كثيرا عن نفعها، خاصة أن آلية اتخاذ القرارت الدولية لا تتم في يوم وليلة، ففرش الدروب بالورود أو نصب المشانق يحتاج لورش عمل على طاولة أجندات محسوبة، عمرها عقود من زمن، تحدد فيها المصالح والأهداف وطرق الوصول إليها بعقول اقتصادية كبرى وأطماع سياسية مستترة هي من تتسبب في كل هذه الفوضى المتوارية خلف أسماء وشعارات كثيرة، ظاهرها يخدم الإنسان وباطنها هدفه المصالح ولا شىء غيرها.

مفرزات ورش عمل أجندات المصالح تلك رأيناها في جر العراق إلى هاوية حربه مع إيران، ومن بعدها جره إلى هاوية غزو الكويت الشقيقة، ومن ثم لعبة الأسلحة النووية التي دمرت العراق وشتت أهله وحولت «بلاد الرافدين» إلى ساحة صراعات لا تنتهي بعد أن كانت قوة لا يستهان بها، مما منح الفرص بسخاء لولادة حركات مدمرة، تتخذ من الإسلام جواز مرور لها، لتحويل العالم إلى ثكنات تناحر وقتال باسم الإسلام الذي ما ختم الله به الأديان إلا ليكمل بعظمته مكارم الأخلاق ويعمر به الأرض بالسلام، ولكن..!!

لم ننس ولن ننسى «الربيع العربي» الذي كان أحد وصفات أجندات «المطبخ السياسي» الذي احترق على أفرانه كثير من الدول العربية، حيث قدم فيه «خبز الخلاص» للشعوب المطحونة بالفقر والحماس والرغبة في مستقبل أفضل، فتناولته دون أن تدرك أن عجينته اختمرت بسم الدمار الذي مات به الحلم والأمان والاستقرار.

من المؤسف أن تجني ثمار عمل المنظمات وقوى الضغط الدول الكبرى التي وضعت نصب عينيها تحقيق المصالح بغض النظر عن حجم الخسائر، ومن المؤسف أن تكون ملفات الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية ونبذ العنصرية والتمكين، وغيرها مما يمسح على روح الحاجة والعاطفة، أسلحة الدمار الباطن التي توجه إلى الشعوب بوجه ظاهره الرحمة وباطن من قبله العذاب، والغريب أن ما ينادون به لا يسمحون به في مجتمعاتهم التي يتفشى فيها كل ذلك وأكثر، ولا تحرك تجاهه إصلاحا، بمعنى آخر يأمرون بالمعروف وينسون أنفسهم.

افتعال القضايا وما يصاحبها من الجعجعة والصراخ الإعلامي إن نجح مع مجتمع أو دولة فليس بالضرورة أن يحقق النجاح نفسه ويصيب الهدف مع دولة ومجتمع آخر. الاصطياد في الماء العكر لا يمكن أن يكون ناجحا مع دول اعتادت أن تبني لها مساكن وتعيش في أعمق محيطات الصراحة والنقاء والوضوح. لذلك، فالتقرير المقدم للكونجرس الأمريكي، و«الشوشرة الإعلامية» المفتعلة المصاحبة له، المستندة على قضية جمال خاشقجي - رحمه الله، وما يصاحب ذلك من محاولة النيل من المملكة وقيادتها، ما هو إلا «زوبعة في فنجان»، لأنها مبنية على أساس هش وضعيف، بل إن كل الحيثيات التي بنيت عليها مستقاة مما أعلنته السعودية بكل شجاعة وصراحة حين انتهت من تحقيقاتها، فأين الجديد؟!.

في رأيي الشخصي المتواضع أن الحكومة الأمريكية الجديدة أخطأت خطأ كبيرا في تعاملها بهذه الطريقة التي لا تليق بدولة بحجم المملكة.

السعودية لها كيان وسيادة ومكانة تجعلها دولة قيادة لا انقياد، فثقلها السياسي والعربي والإسلامي والاقتصادي، وسياسة حكامها منذ تأسيسها جعلها عصية أبية شامخة ذات كلمة مسموعة. دولة بهذه الصفات لا يليق بها لعب العصابات السياسية التي تتسم بالغباء. أما لغة التهديد التي تعلو من الصوت الأمريكي، فهي تهور غير محسوب العواقب، لأنه طلقات نارية ستعود بأذى على المصالح بين البلدين، حيث تعرف أمريكا جيدا كيف سيكون المستقبل أن اهتزت مصالحها مع السعودية، خاصة في ظل الرعب الأمريكي من علو اسم الصين في سماء المشهد، وغير الصين هناك روسيا والهند، وغيرها ممن ستفتح الأبواب على مصراعيها بترحيب يليق بهيبة السعودية وعظمتها إن استمرت أمريكا في عنجهيتها.

أما فيما يخص سمو ولي العهد، فهو رجل واجه الموقف بشجاعة، تابع التحقيقات بنزاهة، طبق العقوبات بعدل وذمة، وهنا يظهر المغزى الحقيقي من الهجوم على قائد بهمة تعانق السماء، أراد لهذا الوطن ما لم يلق قبولا عند كاتبي سيناريوهات الأجندات التي نعرفها.. هذه هي مشكلتهم ببساطة مع قائد الرؤية!.

قضية خاشقجي منذ يومها الأول والكل شاهد على كل تفاصيلها، والعدل فيها أخذ مجراه، تمت مقاضاة كل من شارك فيها من قريب أو بعيد، انتهت التحقيقات بها واتخذت بشأن من أخطأ أحكام منصوص عليها في حضور مندوبي الهيئات الدولية المختصة، وبرضا من ذوي خاشقجي وأسرته.. وهنا انتهى الأمر. وبدل مضيعة الوقت في قضية انتهت، ليت من أعاد فتح هذه الملفات يلتفت لجرائم «حزب الله» التي بسببها مات المئات في انفجار مرفأ بيروت، وبالحماقات الإيرانية وجرائم الحوثي، وغير هذا كثير، مما يهدد فعلا وبصدق السلام العالمي، وينتهك حقوق الإنسان. أما السعودية وطن السلام فاتركوها بسلام يليق بها.