لا يترك خيار اختيار التخصص الجامعي للطالب المتخرج من الثانوية وحده، فثمة تدخلات من الأهل والمحيط، وحتى الأسرة، والأصدقاء، وهو ما يجعل من هذا الاختيار مجال شد وجذب وحتى خلافات.

ففي وقت يريد الطالب تغليب الميول فقط، يرى آخرون أنه بسنه الصغيرة غير قادر وحده على اتخاذ قرار مصيري سيرسم مستقبله لاحقًا، ويطالبون أن يكون هذا الخيار مبنيًا على معايير علمية صحيحة، لا تلحق به الندم تاليا.

وفي هذا الاختيار تتدخل كثير من المعطيات والعوامل، لعل بعضها لا يتعلق فقط بالرغبة والميول سواء للطالب أو أسرته، وإنما كذلك بالإمكانيات المتاحة كقدرة الطالب الدراسية، أو حتى قدرته وذويه المادية، وكذلك توفر الفرع الجامعي الذي يريد دراسته قريبًا من سكنه وذويه، وعلى الأخص بالنسبة للفتاة.

حرص الوالدين

يقول المعلم المتقاعد عبدالله آل عباس «ليس هناك من هو أكثر حرصًا وأشد خوفًا على الأبناء من الوالدين، وهما يَوَدّان أن يريا أبناءهما وبناتهما في أحسن حال وأجمل مكان وأعزّ مركز في المجتمع، فهما يسهران ويكدّان ويشقيان ويتعبان من أجل تحقيق ذلك الهدف، ويزداد انشغالهما به بعد تجاوز الأبناء والبنات المرحلة الثانوية، حيث تبدأ هنا معاناتهما في البحث عن التخصص الذي يريدانه هما وليس الذي يريده صاحب الشأن وهم الأبناء، فتجد كثيرًا منهم يختار لأبنائه تخصصًا معينًا هو أمنية بالنسبة له، ولكنه قد لا يدرك أن تحقيقه من قبل ابنه أو ابنته سيكون صعبًا بل قد يكون مستحيلًا أحيانًا، لأن لكل منا قدرات معينة وميولًا مختلفة، وبالتالي من الخطأ الفادح أن يحشر الأب ابنه ويقحمه في تخصص لا يناسب رغبته ولا ميوله ولا قدراته ويجبره على الالتحاق به، ثم يفاجأ بفشله وتعثره فيه، وقد لا يستطيع أن يواصل فيه، أو قد يدركه ويحقّقه لكن بتقديرٍ متدنٍّ لا يفيده في سوق العمل فيكون قد جنى ثمن الحرص المبالغ فيه من قبل الوالدين أو أحدهما أو الأخوة في حال فقد الوالدين».

التوجيه والنصح

يضيف آل عباس «التدخل في تخصص الأبناء من الأخطاء التربوية التي لا تليق بالتربية الصحيحة المتّزنة التي تحرص على إنتاج جيل صالح يساعد في بناء المجتمع، بينما يجب على الوالدين إبداء التوجيه والنصح والمشورة وتقديم التخصصات ومميزاتها ومناسبتها للمستقبل، وبيان إيجابيات وسلبيات كل تخصص إن استطاعا إلى ذلك سبيلا، ويتركان الخيار للأبناء والبنات حتى يتحملوا المسؤولية بأنفسهمن ولا ينسبوا الفشل مستقبلًا للوالدين».

وتابع «على الآباء أن يقتربوا من الأبناء ويكونوا بمنزلة الأصدقاء لهم، وهم في تلك المرحلة الحرجة من العمر، وهي مرحلة المراهقة التي تحتاج الوقوف الجيّد والتربية الحسنة الحذرة وتوجيه النصح والتوجيه والمتابعة بطريقة غير مباشرة حتى تثمر وتؤتي أكلها ويستفيدون منها في حياتهم الدراسية والعملية، لذلك أنصح الآباء والأمهات بالحذر من فرض التخصص على أبنائهم أو بناتهم، كما أنصح الأبناء والبنات بالتصرف الحسن عندما يشعرون برغبة والديهم ويحاولون إقناعهم بقدراتهم ورغباتهم وميولهم لأن الوالدين قد يجهلان ذلك، ومن حرصهم يحاولون أن يروا أبناءهم وهم يحملون شهادات في تخصصات هم يرغبونها من باب محبتهم وحرصهم، وقد يكونوا على حق دون أن يدرك الأبناء ذلك إلا في وقت متأخر جدًا، ولذلك فإن التنسيق والتشاور والمناقشة بين الوالدين وأبنائهما وبناتهما ضرورية جدًا».

غياب الميول

مع كثرة الحديث عن ميول الطالب وأهميته، إلا إن اختيار التخصص الجامعي يثير أحيانًا متاعب إضافية، خصوصًا في حال عدم ميل الطالب لمجال بعينه، وهنا غالبًا ما يترك اختيار التخصص للمحيطين به، فيتمناه الأب طبيبا، وتريده الأم مهندسًا، ويريده صديقه محاميا، وتريده شقيقته طيارًا، وهنا يتشتت الطالب أكثر فأكثر.

كما قد يلعب المحيطون أدوارًا مثبطة ومحبطة، فقد يسخرون من خيار الطالب أو رغبته بتخصص بعينه، كما لا نلحظ أدوارًا مؤثرة للمدراس في هذا الجانب، حيث تغيب التركيز على ما يمكن لأن يختصه الطالب، ويقع التقصير الأشد هنا على المرشد الطلابي والمعلم في توجيه الطالب حسب ميوله، أو حتى كشف هذه الميول للطالب ومساعدته على معرفتها.

وتغيّب المناهج الدراسية كذلك وجود مادة دراسية توضح للطلاب التخصصات وتفرعاتها وتوجهاتها واحتياجاتها، وتبين لهم المطلوب للتسجيل في كل تخصص، ومدرته دراسته، ومجة الاحتياج سوق العمل إليه، وبالتالي لا تساعده على بناء تصور كامل عما يمكنه اختياره ليكون مستقبله.

وتبدو مؤسسات المجتمع المدني التطوعية والخيرية مقصرة في هذا الجانب، إذ أنها لا تقدم أي أدوار لها علاقة بهذا الجانب يمكن أن تساعد الطلبة في التبصر بالتخصصات وتساعدهم على تمييز الأفضل بالنسبة لهم فيها.

الأمان الوظيفي

يضيف مشرف الإرشاد التعليمي والمهني بإدارة التوجيه والإرشاد بتعليم نجران حسين عقيل «لم يكن طالب المرحلة الثانوية الذي تحدث لي عن مشكلته بأنه يرغب في الالتحاق بتخصص مهني ووالده يرفض ويرغمه على الالتحاق بتخصص علمي بحت لا يقدر عليه هو الأول الذي يتعرض لهذا الموقف».

ويضيف «قدمت لذلك الطالب جميع الحلول، ووجدته قد قدمها لوالده وفشل في إقناعه، وللأسف نجد أنه في خضم نتائج الثانوية العامة تكون هناك معركة حامية عندما يبحث الطالب عن التخصص الجامعي، فيجد نفسه تائهًا بين إشباع رغباته الشخصية نحو اختيار التخصص المناسب، ونظرة الوالدين التي قد تخالف رغباته المستقبلية، وكما أن تدخل الآباء في تخصصات أبنائهم يعد انتكاسة كبيرة قد تعرقل مسيرتهم التعليمية، خصوصًا أن اختيارهم للتخصص يعد عملية إجبارية من قبل الوالدين، فإن المجتمع أيضًا يلعب دورًا كبيرًا في التأثير على الطلبة في اختيار التخصص، ومنها الحديث عن الأمان الوظيفي والبحث عن تخصص مطلوب يحتاجه سوق العمل، وكذلك نظرة المجتمع الدونية لبعض التخصصات، كذلك نتيجة لتأثير حديث المجالس والديوانيات حول عدم وجود فرص وظيفية لبعض التخصصات ما يجعل الطالب الراغب في أحد تلك التخصصات يحجم عنه خوفًا من النقد ومن أن يكون عاجلًا عن العمل».

ويضيف «ثمة قصص تعيسة كثيرة ومتكررة في مجتمعنا، أكثرها يلحظ أن تدخل الوالدين في توجيه الأبناء بعيدًا عن التخصصات التي يرغبونها أدى إلى إفساد حياتهم كلها والتسبب بتعاستهم، وأحيانًا فشلهم في الحصول على الشهادة الجامعية لأنهم لم يتمكنوا من مواصلة دراسة ما لا يحبونه ولا يطيقونه ولا يفهمون، وخير دليل الأعداد الكبيرة التي تفشل في مواصلة دراستها للفصل الدراسي الثاني من السنة التحضيرية قبل التخصيص». ويكمل «من وجهة نظري لا بأس في أن تكون للأهل كلمتهم من منطلق الرأي والمشورة والتقاء الرؤى بين الابن وأهله والتوجيه بحكمة وخبرة، لكن أقول للآباء دعوا أبناءكم يختارون مستقبلهم وكونوا لهم عونًا بالتوجيه والتشجيع».

معوقات الاختيار

يرى كثيرون أن مسألة الأمان الوظيفي الذي ينشده الطالب تلعب دورًا معرقلًا لاختياره الحر للتخصص الجامعي الذي سيدرسه، حيث يتوجه معظم الطلاب إلى تخصص يوفر لهم الأمان الوظيفي، وتعطون هذا العامل أهمية تفوق الميول والقدرات، كما أن هذا يأتي متواكبًا مع عدم تدرب الطالب أو عدم تعوّده على الاختيارات، واتخاذ القرارات.

وقد يستغرب كثيرون الحديث عن أمراض نفسية قد تنجم عن اختيار الطالب لتخصص يجد نفسه قد تورط فيه، ومن هنا يطالب كثيرون بأن يدخل الطلاب امتحانات تحدد ميولهم، ويرون أن إلزامهم بها، أو حتى توعيتهم بأهميتها، قد يكون ذات مردود إيجابي على مستوى حفظ مستقبلهم.

تأثير العرف

يلعب العرف والعادات والتقاليد ونظرة المجتمع دورًا مؤثرًا جدًا، قد يكون سلبيًا على اختيار الطالب لتخصصه، بالرغم من ميوله وقدراته الدراسية، فقد يرغب طالب ما بدراسة البيطرة كطب، لكن نظرة المجتمع الدونة للأطباء البيطريين قد تمنعه من دخول هذا التخصص.

ولا تبدو الأسباب دومًا خارجة عن إرادة الطالب أو غالبة لها، فقد يتقاعس بنفسه عن البحث عما يناسب من تخصصات، أو عن تحديد ميوله، وربما تؤثر عليه التخصصات المتوفرة في الجامعة الأقرب لسكنه، وكذلك قد يتأثر بغياب الأجواء العلمية والمعلوماتية، وتأثير الإعلام السلبي في رفع قيمه بعض التخصصات على حساب أخرى.

ولا يغفل المعنيون أيضًا تأثير الأصدقاء على اختيار الطالب تخصصًا بعينه، فقط لأنه تخصص يبقي الطالب مع أصدقائه، بدل أن يدفعه لاكتشاف ما يناسبه، وما يمتلكه من كفاءة ومن قدراته.

عوامل تساعد الطالب على اختيار التخصص

ـ تحديد ميوله بدقة.

ـ نعرفة حقيقة قدراته وكفاءته.

ـ وضوح التخصصات بشكل عملي دقيق

ـ معرفة احتياجات سوق العمل لكل تخصص

ـ تفاهمه مع ذويه.

ـ امتلاكه مهارة الاعتماد على الذات.

معوقات الاختيار الصحيح

ـ تضارب الرؤية بين الطالب وذويه.

ـ التاثير بالنظرة الاجتماعية لبعض التخصصات.

ـ التركيز فقط على الأمن الوظيفي.

ـ التأثر بالأصدقاء والحرص على البقاء قربهم.

ـ توفر اختصاصات بالقرب من سكن الطالب وغياب أخرى.

ـ عدم فهم الطالب لحقيقة قدراته.

ـ غياب الدراسات العلمية والمواد المنهجية التي تساعد في اختار الاختصاص.

ـ غياب دور مؤسسات المجتمع المدني في مساعدة الطلاب بهذا الجانب.