(لن نصدق هذه الشياطين المخادعة بعد الآن، تلك التي تراوغنا بمعان مزدوجة وتظل تردد عبارات واعدة على مسامعنا، ثم لا تلبث أن تنكث وعدها). هذه المقدمة لشكسبير في رائعته مكبث، ونعرضها هنا لنسقطها على أولئك الذين دمروا اليمن وشردوا أبناءه وما زالوا يزرعون الوهم ويرددون الأكاذيب.

وتشير تقارير وزارة الصحة اليمنية ومنظمة الصحة العالمية إلى أنه ومنذ سيطرة الميليشيات الحوثية على أجزاء من اليمن، هناك 100 ألف طفل يموتون سنويا نتيجة الأمراض الفتاكة، وأن نحو مليوني طفل يعانون من سوء التغذية.

وبناء على ما سبق هناك سؤال يجب أن نسأله، وهو هل يمكن لنظام أن ينشأ من فوضى وعبثية، وهل هناك أمل أن يصبح للحوثي مستقبل سياسي بعد كمية الدماء المسفوكة من أبناء الشعب اليمني، وهل سيرضى شرفاء اليمن أن يشاركهم أحلامهم وآمالهم خائن وعميل باع الوطن والتراب؟. لعل من الأمور الأشد بشاعة التي تعصف باليمن هو واقع المستعمر الذي يلعب بورقة الانقسامات الطائفية والمناطقية لترسيخ سيطرته على بعض الأقاليم، ويبث الخوف والهلع من خلال نشر الفوضى والفقر والفساد والخراب. لقد لعب الحوثي دورا بارزا في تحضير الأرضية اليمنية لدخول إيران لتصبح هي من تقود القتل والإرهاب.

اليمن الذي عانى عبر تاريخه من الانقسامات والفوضى القبلية، أصبح الآن ساحة لصراعات وتدخلات قوى استعمارية، تهدف بشكل أساسي أن يكون اليمن هو المنطلق للنيل من دول الخليج. وليس في الأفق بصيص أمل أن يعود اليمن إلى وضعه إلا مع طرد الميليشيات الانقلابية والتخلص من التدخلات الإيرانية. لا زال الوضع في بعض محافظات اليمن ضبابيا ولا زالت المأساة الإنسانية تلقي بظلالها في ظل متاجرة بتلك الظروف من قبل دول تتشدق بحقوق الإنسان وحرية الشعوب، وهي في الواقع من تدعم الحوثي وتساعد في بقائه وتخفف العقوبات المفروضة عليه، رغم اتفاق معظم فئات المجتمع اليمني على أن اليمن لن يعود إلا بطرد الحوثي الخائن وطرد الإيراني المستعمر.

شعور غالبية اليمنيين هو الرفض التام لهذا الوضع، ووجوب الالتفاف حول قيادة وحكومة تنقذ البلد مما هو فيه وتأخذ بيده إلى دائرة الضوء. التوجهات الفكرية والثقافية والسياسية لغالبية اليمنيين الآن أصبحت تستهدف التحرر من هذه المجموعة الإرهابية، لا سيما في ظل تضاؤل وضعف تلك القوى، وتراجع الدور الإيراني الذي أصبح أكثر انشغالا بداخله المزري. وطالما فهم اليمنيون أن حقبة التنافس والاختلاف يجب أن تنتهي وأن هجرة وتشريد المجتمع اليمني يجب أن تتوقف، وتبدأ مرحلة البناء والنماء، بعد أن زالت الأقنعة وتوحد الشعب أمام المحتل.

أخيرا على كل حركة يمنية تدعي أنها وطنية أو إصلاحية أن تكتسب مصداقية الشعب والأطراف المنصفة التي تتعامل معها، لا سيما عندما تتدثر تلك الجماعة بعباءة الدين، وهذا ما لم يحدث مع الميليشيا الإرهابية التي نبذها ولفظها الشعب. ولحفظ ماء الوجه بدأت الحركة يوميا في إطلاق طائراتها المسيرة والمفخخة وتدعي أنها تصيب أهدافا هامة، وهي أكاذيب غير أخلاقية وغير منطقية لا سيما ومعظم هذه الطائرات بدائية يتم التعامل معها بحرفية وتدميرها فور إطلاقها، ولعلنا نقول إن الحركة تعيش آخر مراحل انتحارها السياسي بعد أن انتحرت أخلاقيا ومجتمعيا.