8 مارس يوم المرأة العالمي الذي حظي يوم الإثنين من هذا الأسبوع بشرف الاحتفال به، حيث اعتدنا في مثل هذا اليوم من كل عام على حرص أفراد العالم وجماعاته ومؤسساته، على تقديم الدعم والإشادة ورفع شعارات حقوق النساء والمناداة بها، وهذا عظيم جدا لأنه يوم تسلط فيه أنوار التمكين الذي يعزز دورها في المنظومات المجتمعية ويدعمه، أو ترتق فيه شقوق قوانين مهترئة لم تعد تستر سوأة حقوقها المسلوبة. ولكن في ظل صخب هذا اليوم العالمي الذي يكاد يكون الأشهر على جدول الأيام العالمية، هل كل من علا صوته أو تأنق كلامه ومنطوقه كان صادقا بنيته تجاه النساء؟، أم هي في الغالب ألسن تردد ما يجب أن يقال دون قناعة بمضمون ما تقول؟!.

كامرأة سعودية، ما يعنيني من العالم هو تقييم مدى سرعة ردم الفجوة بين حقوقي التي شرعها الله لي، وبين ما طُبق منها على أرض الواقع الذي أعيش، وسط هذه البقعة المباركة من الأرض التي من نعم الله على أن جعلها لي وطنا.

التقييم هنا له شقان، الأول.. التمكين الرسمي الذي لا يمكن أن يكون إلا من خلال إيمان القيادة بدور النساء وبحقوقهن وما لهن وما عليهن، وبالتالي سن القوانين والتشريعات التي تضع المرأة وسط طريق سلس ممهد، تمشي فيه بخطى ثابتة دون خوف من ظلم أو إحباط أو ضياع حق يعطلها عن إثبات وجودها، وأداء دورها الوطني والتنموي والمجتمعي على أكمل وجه. والتقييم هنا نجد فيه أن الدولة اختزلت قرونا من الزمان، احتاجتها غيرنا من الأمم، لتعطي المرأة حقوقا اختصرتها بلادي في سنوات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. فتمكين المرأة الرسمي المتمثل في إيمان القيادة بها، وترجمة ذلك إلى قرارات وتشريعات تدعم تمكينها، كسبنا رهانه بجدارة نستحقها، وما حدث بخمس سنوات أذهلنا نحن قبل أن يذهل غيرنا، بسرعة إعادة منظومة الحقوق النسائية، لتعود الأمور لنصابها، وترد الحقوق إلى أصحابها بغمضة عين زمنية.

أما فيما يخص النوع الثاني من التقييم، الذي أعني به التمكين المجتمعي، فهنا نجد بعض الخلل الذي يجعلنا نسلط الضوء على جوانب الضعف فيه، والتي قد تعيق تقدم التمكين الرسمي، كي نعمل سويا على تصحيح ما يجب تصحيحه، ليكون التمكين بمساريه الرسمي والمجتمعي، يمشيان بخط متواز يصب في مصلحة الوطن والنساء والتنمية والمجتمع.

مشكلة التمكين المجتمعي تحتاج إلى حرث تربة عقول ضربت جذور الوصاية الذكورية، وعدم الثقة بالمرأة إلى عمق التفكير بها، فأصبح الخوف من القانون هو ما يجعل إدارة عجلة التمكين من هذه الفئة تدور كأبطأ ما يكون، وأنا عندما أشير إلى مصطلح الوصاية الذكورية لا أخص بها عقول الرجال فقط، فبين النساء من تشربت فكرة التنازل عن الحقوق المشروعة لأنها لا تؤمن بها أو لأنها تنتقص من ذاتها أكثر من الرجال أنفسهم، وبهن أصبحت المرأة العدو الأول للمرأة، والعائق الأكبر نحو انطلاق تمكينها ودعمها.

هنا نحتاج أن نرى فئة عقول الوصاية الفكرية والرقابة الأخلاقية من الرجال والنساء، نرغب منهم أن ينظروا إلى حقوقنا برقي، ليس منا ولا تفضلا ولا تهويلا يخشى منه، وكأننا نلنا شيئا لا حق لنا فيه!.

لهم نقول: الحمد لله أن التشريعات تلو التشريعات منحت لنا من إله السماوات والأرض ثم من نبيه المصطفى، ومن ولاة أمر يخافون الله فينا، لذلك فليس من المعقول أن نصطدم بعد كل هذه الشرعية بممارسات من بشر يتفننون في جعل حياتنا أصعب، بضيق أفقهم ونظرتهم للمرأة التي نراها بمقاطع مصورة تنتشر في مواقع التواصل، تهين المرأة وتؤذيها، أو من خلال تعقيد لبعض مصالحها، وتمطيط في إعطائها حقوقا لها.

ما نحتاجه فعلا كنساء، هو تفعيل قيمة الاحترام من خلال اجتثاث أعشاب الفكر الانتقاصي التي تعشش داخل عقول البعض تجاهها، وبذر بذور القيم الراقية والثقة بالمرأة، ليصبح المجتمع أكثر نقاء ونماء، والتمكين يصبح أكثر فعالية.

لتحقيق ذلك لا بد من مشروع وطني مؤسسي، يؤهل المجتمع للتعايش بين الجنسين بجو يسوده الاحترام، يكون فيه الإيمان بالمرأة والثقة بها هو الرادع القيمي والأخلاقي ضد كل ما ومن قد يؤذي المرأة. احترام مبني على التقدير والمثل العليا خاصة مع التحول الذي نعيشه حاليا، الذي أصبحت مجالات التعاون العملي فيه بين الرجال والنساء تجمعهما في كثير من مسارات الحياة. هنا يجب أن تتحد جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتحقيق ذلك، فالمدارس والمساجد وجهات العمل وأماكن الترفيه ومراكز الإرشاد الأسري ومراكز التدريب وجهات الوعي المجتمعي وغيرها، كلها مسؤولة عن تغير الفكر، ليكون مرنا أمام المتغيرات لتحقيق التنمية والتمكين وفق منظومة متكاملة.

فالمرأة هي الرقم الصعب في المجتمعات، متى ما نالت ما تستحق توازن كل شيء، واستطعنا بأمر الله أن نهزم المستحيل ونمضي قدما للأفضل.