يستحق الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، أن يحمل لقب «إمبراطور القلق»، فقد كان يواجه كل الأزمات الدولية العاصفة بـ«التعبير عن القلق» فقط، لكنه مع ذلك بدا منسجمًا مع منمته التي اكتفت بالقلق مثله، في دور لا يليق بالمنظمة الأممية الأهم عالميًا، ويعبر فعلًا عن تواضع وتراجع دورها، وحاجتها الماسة للإصلاح الذي بدأت المناداة فيه منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، وبذلت محاولات لأجله، لكن رغبة الإصلاح ما تزال تصطدم بشهوة المصالح.

تزايدت الصراعات والنزاعات الدولية، وتضخمت التحديات العالمية، وتحول بعضها إلى عقبات كبرى لها تأثيرها العالمي مثل أزمة تغير المناخ والإرهاب والحروب والفقر والأوبئة والكوارث، ومع كل هذا يغيب الدور الحاسم للأمم المتحدة على الأرض نتيجة التعقيدات السياسية، ولعبة موازين القوى، لتكتفي المنظمة فقط ببيانات شجب وإدانة وإعراب عن قلق، وهو ما لا يتلاءم مع عالم مطحون بالحروب والأزمات الإنسانية، ما يعزز الضرورة لإصلاحات جوهرية تمكن المنظمة من أداء دورها المطلوب.

مكامن الخلل

تكمن النقطة الأهم في الخلل الذي تعانيه المنظمة في مجلس الأمن الذي عُدَّ محور دعوات إصلاح المنظمة، على الأخص فيما يتعلق بعضويته وصلاحياته، وبما يضمن جعله أكثر ديمقراطية وتمثيلاً لدول العالم، وتعبيرًا عن موازين القوى الدولية التي تغيرت كثيرًا منذ إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام 1945 من 51 دولة، حيث تجاوزت اليوم 193 دولة؛ أي بزيادة نحو 5 أضعاف، ناهيك عن صعود بعض الدول وخفوت أخرى.

ومجلس الأمن هو الذراع الأقوى للمنظمة، وهو يكرس عمليًا هيمنة القوى العظمى في العالم، لذا كثرت المطالبات بتوسيع عضويته بشكل عادل ومناسب، خصوصًا مع غياب إفريقيا وأمريكا الجنوبية عنه وحضور خجول وغير متناسب مع عدد السكان من آسيا.

كما طالبت الإصلاحات بتعديلات في موضوع حق النقض «الفيتو» الخاص بالدول الخمس الدائمة العضوية «أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا»، وغير بعيد عن مجلس الأمن، ارتفعت الدعوات مطالبة بإعادة هيكلة المنظمة، وإصلاح أمانتها العامة، وترشيد الإنفاق فيها، وتحسين قدراتها على إدارة عمليات حفظ السلام.

دعوات قديمة متجددة

الإحساس بالحاجة لإصلاح المنظمة لم يكن يأتي فقط من خارجها، بل نبع كثيرًا من المرات من داخلها، وعمل عليه أمناء عامون لها مثل بطرس غالي، وكوفي عنان، والأمين العام الحالي أنطونيو جوتيريس.

وتعود المطالبات الأولى للإصلاح إلى ستينيات القرن الماضي، وبدأتها حركة عدم الانحياز، وفي عام 1963 زاد عدد أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين من 6 إلى 10 أعضاء، كما زاد عدد أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي مرتين عامي 1963 و1971، وفي عام 1975 ظهرت محاولة جديدة للإصلاح بتشكل لجنة خاصة لميثاق الأمم المتحدة، بما يعز دورها ويمنحها مزيدًا من الفعالية.

وفي عام 1992، وبتفويض من رؤوساء دول العالم، قدم الأمين العام للأمم المتحدة وقتئذ بطرس غالي (1992 ـ 1996) رؤية لإصلاح المنظمة حملت عنوان «خطة للسلام»، ركزت على مجموعة مفاهيم، منها الدبلوماسية الوقائية، وصنع السلام، وحفظ السلام، وبناء السلام، وفي عام 1993 تمت مناقشة مسألة الإنصاف في التمثيل وعضوية مجلس الأمن، وما يختص بذلك ويؤثر عليه من قضايا دولية في محاولة جديدة لإصلاح المجلس.

وعام 2006 قدم الأمين العام كوفي عنان تقريرًا للجمعية العامة تضمن مقترحات كجزء من خطة إصلاح واسعة لتطوير الهيكل التنظيمي والإداري للمنظمة، بعنوان «الاستثمار في الأمم المتحدة: من أجل منظمة أقوى»- على تحسين قدرة المنظمة على الانتشار وإدارة عمليات حفظ السلام، وشكل عنان لجنة من 16 شخصية لوضع مقترحات الإصلاح، قدمت 101 مقترح، بينها توسيع مجلس الأمن ليضم 24 دولة بدلاً من 15 حاليًا.

وفي 2017، قدم الأمين العام الحالي أنطونيو جوتيريس مقترحات لإصلاح المنظمة وإحداث «طفرة» دبلوماسية للتغلب على العقبات في محادثات السلام، وتعزيز دورها في حل النزاعات الدولية.

مطالبات دولية

بدورها، قدمت دول ومسؤولون مطالبات بإصلاح المنظمة، فقد انتقدها الرئيس الليبي المقتول معمر القذافي، وسمى مجلس الأمن باسم «مجلس الرعب»، وسعت فرنسا عبر مشروع في 2013 لضبط استخدام حق الفيتو ومنع تقديمه في حالات الجرائم الواسعة النطاق، ثم في 2015 قدمت طلبًا للحد من استخدام الفيتو، لكنه رفض.

وفي 2017 قدم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب رؤية من 10 بنود تدعم إصلاحات جوتيريس، ونصت بعض بنودها على الحد من الازدواجية والتكرار في مختلف هيئات المنظمة، وتحسين أداء المنظمة، وحظت الرؤية بموافقة 126 دولة، ودعت أمريكا لاحقًا بقية الدولة الـ67 للتوقيع عليها.

وفي 2018 أعلن رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الاتحاد الروسي قنسطنطين كوساتشيوف 2018 أن موسكو مستعدة للتعاون مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فيما يتعلق بملف إصلاح المنظمة، وفي 2018 قال الرئيس الفرنسي ماكرون «أتطلع إلى أن تصبح منظمة الأمم المتحدة أكثر مسؤولية وفعالية ومرونة، وإني أؤيد بالكامل مشروع الأمين العام للأمم المتحدة وأدعم طموحه وعزيمته على تعزيز المنظمة لكي تتمكن من التصدي للتحديات العالمية».

تضارب التوجهات

مع الإجماع التام على حاجة الأمم المتحدة للإصلاح، إلا أن المشكلة تكمن في التوفيق بين متطلبات الإصلاح ومصالح الدول العظمى المهمينة، والمتمتعة بامتيازات واسعة، فعلى سبيل المثال تقر أمريكا بضرورة الإصلاح، وقدمت مقترحات بهذا الشأن، لكن لا تريد إصلاحًا يلغي هيمنتها، وبالتالي فإنها ترفض مثلا المساس بحق النقض الفيتو.

وتطالب فرنسا بتوسيع مجلس الأمن، وتريد ألمانيا مقعدًا دائمًا فيما تعارض إيطاليا ذلك، وتطالب البلدان النامية ومنها الدول العربية بإصلاحات تمنح إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبة ثقلًا أهم في المنظمة، وأن تكون قرارات الجمعية العمومية ذات الأغلبية ملزمة على غرار قرارات مجلس الأمن.

وترى ألمانيا التي تقدم مع اليابان 28% من ميزانية المنظمة، والتي تسهم في قوات حفظ السلام في بؤر التوتر في العالم أن من حقها أن تظفر بمقعد دائم في مجلس الأمن، غير أنها تواجه بتباين حيال رؤيتها حتى داخل الاتحاد الأوروبي.

الآمال العريضة تضيق

في 24 أكتوبر 1945 اشترك عدد من قادة دول العالم في اجتماع بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، كانت معظم دول العالم مثقلة بالأعباء وتعاني ويلات دمار الحرب العالمية الثانية، فقرروا تدشين منظمة الأمم المتحدة بديلة عن عصبة الأمم (1919 ـ 1945) التي لم تؤد غرضها، وكان هدفها تحقيق أهداف الأمن والسلام والتعاون الاقتصادي والتصدي للأوبئة والأزمات الإنسانية.

توسعت عضوية الأمم المتحدة وضمت 193 دولة، لكن دورها بدأ يتراجع في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، حتى باتت الأسئلة تطرح عن غيابها مثلا عن تزايد النزاعات والصراعات بين الدول، وانتشار التطرف والإرهاب والمجاعات والأزمات الإنسانية، وتراجعها في تحقيق التعاون الاقتصادي وتسوية النزاعات سلميًا.

ويغرق العالم في أزمات اليمن وأفغانستان والعراق والساحل الإفريقي، وسورية وليبيا وجنوب السودان وميانمار، وفي عمليات إرهابية تضرب إفريقيا وآسيا وأوروبا وغيرها، وعن ملايين النازحين والمهجرين حول العالم، ومع ازدياد الصراعات وتنافس القوى الكبرى يغيب دور المنظمة في حفظ الأمن والسلم، ويغيب دورها كشرطي عالمي يحمي الحقوق والحريات، ويكافح الجريمة والصراعات.

وتحاول بعض الدول مثل أمريكا التي يتهمها كثيرون بمحاولة السيطرة على مقاليد الأمور بالمنظمة، بل بتوجيهها بحسب مصالحها الخاصة لتكون المنظمة بمثابة ذراع أمريكية جديدة لمساندة خططها وأهدافها حول العالم، مستندة في ذلك إلى استضافتها المقر، وتمويلها 22% من الموازنة العامة للأمم المتحدة، وحوالي 27% من مهام حفظ السلم.

أبرز عيوب أداء المنظمة

قد تكون هيمنة الدول الكبرى على المنظمة أهم عيوبها، وكذلك قصر حق الفيتو على 5 دول كبرى، فيما تغيب الدول النامية تمامًا، ووسط الأزمات الضاربة والمزعجة، تكتفي المنظمة بالإعراب عن القلق والدعوة لوقف العنف والمناداة والمناشدة، فيما يغيب هدفها المتعلق بتسوية المنازعات سلميًا والحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

من يتابع مجموعة المنظمات والأجهزة واللجان التابعة للأمم المتحدة، يكتشف أهميتها للبشرية لو كانت تقوم بواجباتها ودورها، ولو بشكل جزئي غير كامل، فصلاحيتها قادرة على تقديم مستوى غير بسيط من الحلول لأغلب مشاكل الدول والشعوب والمجتمعات، إلى درجة تصل إلى إلغاء أو عزل كل الإشكاليات التي تواجه المجتمع الدولي، وإلى إرساء السلام والازدهار في العالم.

ولا يمكن إلقاء تهمة التراجع فقط على عاتق المنظمة وحدها، فهي كذلك تواجه خلال السنوات الأخيرة أزمة تمويل هي الأعلى في تاريخها، حيث بدأت خطة تقشف واسعة منذ أكتوبر 2019.

ويبلغ العجز 711 مليون دولار في موازنة الأمم المتحدة العامة للعام 1919، والبالغة 2.85 مليار دولار، لأن 51 دولة لم تسدد التزاماتها، من بينها اثنتان من كبار الممولين هما الولايات المتحدة والبرازيل.

وفي أبريل 2020، ناشدت الأمم المتحدة الدول الأعضاء الإسراع بسداد مستحقاتها في ميزانية المنظمة لمواجهة عجز نقدي تعاني منه المنظمة الدولية وضغوط مالية متزايدة، ونتيجة لهذا العجز علقت المنظمة التوظيف حاليًا، في وقت رأى كثيرون أن نقص السيولة تعبيرًا آخر عن نقص الثقة بالمنظمة، وعن التأكد من أن ثمة هدرًا كبيرًا يذهب كذلك للمرتبات العليا.

مجالات العمل الرئيسة للمنظمة

01 التنمية

02 السلام والأمن

03 حقوق الإنسان

أعمال يفترض أن تقوم بها الأمم المتحدة

توفير اللقاحات لتحصين الأطفال

توزيع المساعدات الغذائية

توفير المأوى للاجئين

نشر قوات حفظ السلام

حماية البيئة

بذل المساعي لتسوية النزاعات بالطرق السلمية

دعم إجراء انتخابات ديمقراطية

كفالة المساواة بين الجنسين

إعمال حقوق الإنسان

بَسط سيادة القانون

10دول تقدم 60% من الميزانية

1 أمريكا 611 مليون دولار 22%

2 اليابان 244 مليون دولار 9.68%

3 الصين 200 مليون دولار 7.92%

4 ألمانيا 161 مليون دولار 6.38%

5 فرنسا 123 مليون دولار 4.85%

6 بريطانيا 113 مليون دولار 4.46%

7 إيطاليا 95 مليون دولار 3.74%

8 روسيا 77 مليون دولار 3.08%

9 كندا 74 مليون دولار 2.92%

10 إسبانيا 72 مليون دولار 2. 44%