في «تاج محل» بالهند قبل 6 أعوام ولهطول المطر، ولأنني كنت أحمل كاميرا، طلب مني أحد السكان المحليين أن ألتقط صورا له ولابنه ذي الـ5 أعوام. التقطت لهم ما يريدون وبالطريقة التي يحبون، كنا نضحك ويسألني عن الهند وتاج محل وكيف أرسل له الصور عبر الإيميل، و.... و.... في الأخير بادرني بسؤال ?where are you from فأجبته من السعودية، وحينها تغيرت ملامح وجهه وطلب مني أن أمسح الصور، وغادر على الفور وكأن بيننا ثأرا! كذلك في جزيرة بالي بإندونيسيا طلب مني المرشد السياحي ألا أخبر أحدا بجنسيتي، لأنه يقول إنه كان هناك عمل إرهابي قتل وجرح المئات، وكان منفذه سعودي. هذي صورتنا في السابق، ولكن ماذا حدث في الـ5 السنوات الأخيرة، ألم ينعدم الإرهاب حتى أصبحت العمليات الإرهابية لدينا «صفرا» وهو رقم مستحيل على جميع القوى العظمى بلا استثناء حول العالم، والتي ما زالت تتخبط في أوحال الإرهاب حتى هذا اليوم. ألم نتحول إلى منهج الإسلام المعتدل وأصبحنا قوة عظيمة مكنتنا من قيادة العالم في الـG20، وألم يحاكم لدينا جميع من سولت له نفسه بمثل هذه الجرائم «بحد الحرابة» كالحكم الصادر قبل أيام على مجموعة إرهابية فجرت مساجد في جنوب المملكة وشرقها، ولكن لماذا لم تصل هذه الصورة عنا كما استطاع الإرهاب أن يوصلها مشوهة.

ولماذا لم تصل كما وصلت في برنامج «The Mo show podcast»، وهو بث بجهود شخصية لمذيع سعودي، والذي تفتقد أغلب قنواتنا لمثل قدراته في صنع وإدارة المحتوى، والذي استضاف شابتين أمريكيتين أما وابنتها، والتي عُرض عليها العمل كمعلمة في ثلاث دول واختارت المملكة «لتضحي بنفسها» لأنها تعتقد أن الحياة هنا أخطر من بقية الدول الثلاث. أمضت 5 أعوام داخل المملكة مع ابنتها العشرينية، قطعا خلالها 15 ألف كيلومتر من الرحلات الاستكشافية بين مناطق المملكة وحيدتان بلا رفقاء، وذهبتا (برا) من الشرقية إلى نجران، وأثناء وصولهما مرهقتين، طلبت عائلة منهما أن يقدما إلى منزلهم، وترددت الأم وابنتها بالدخول لهذا المنزل لأن الطريق «ترابي» وله بوابات مغلقة، وبعد أن أخبرا أصحابهما أنهما في احتمالية خطر، فتحت العائلة الأبواب وكانوا يرتدون أجمل ما لديهم من ثياب، وتم استقبالهما وفق العادات الجنوبية، في أجواء لم يكونا ليحلما بجزء منها بكاليفورنيا التي قدمتا منها، وبعدها رافقتهما مركبة العائلة حتى يتأكدا من خروجهما من المنطقة سالمتين من المرتفعات الوعرة، وفي وادي لجب بجازان، استضافتهما عائلة أخرى مكثت معهما ساعات طويلة من المرافقة والمساعدة المجانية، وفي حائل قامت أسرة لا تتحدث حتى اللغة الإنجليزية بدفع الحساب عنهما بعد أن رأوهما وصلا إلى المطعم جائعتين، وكانتا تريان أبواب «أهل حائل» مفتوحة طوال الوقت حتى لا يصل ضيف ولا يستطيع الدخول. وفي العلا وغيرها، في مشاهد تمسح أي صورة مشوهة عن السعودية، وتظهر الصورة الحقيقية لأفضل المجتمعات تمسكا بعادات عربية أصيلة رسخها وثبتها الدين الإسلامي الحنيف، ومع ذلك فهذه الحلقة من البرنامج على «يوتيوب» لم تتخط حاجز الـ7 آلاف مشاهدة، بينما بعض مقاطع شيلات «الطرطعة والفرقعة» تصل إلى 10 ملايين مشاهدة خلال أقل من أسبوع نظرا لطريقة الترويج لها.

هل ما زال إعلامنا غير قادر على جلب قنوات وثائقية أجنبية تختص بتلفزيون الواقع، وترافق مثل هؤلاء النماذج الحقيقية وما يحدث معهم وإظهاره بصدق، وهل ما زال إعلامنا غير قادر على إنتاج دراما وسينما قادرتين على الوصول العالمي، تعكس واقع المجتمع السعودي، ولن ينعكس وأغلب الممثلاث من «دول برا»، ويبقى السؤال «متى سيستطيع إعلامنا إظهار صورتنا؟».