الحجز: الفصل بين الشيئين، وحجازيك كحنانيك؛ أي احجز بينهم حجزا بعد حجز، وسمي الحجاز حجازا لأنه حجز بين «تهامة ونجد»، ومنه حديث ابن حسان: «يا رسول الله إن رأيت أن تجعل الدهناء حجازا بيننا وبين بني تميم»؛ أي حدا فاصلا، ونقل ياقوت عن كتاب «افتراق العرب» قول «ابن الكلبي»: «إن جبل السراة، وهو أعظم جبال العرب وأذكرها أقبل من قعرة اليمن حتى بلغ أطراف الشام، فسمته العرب حجازا؛ لأنه حجز بين الغور ونجد، فما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيد والجبلين إلى المدينة، ومن بلاد مذحج- تثليث، وما دونها إلى ناحية فيد فهو حجاز، والعرب تسميه نجدا وحلسا وحجازا».

والجلس في معاجم اللغة: ما ارتفع من الأرض، ويقول «أبو الفداء»: وأما الحجاز فهو جبل يقبل من اليمن حتى يتصل بالشام، وفي المدينة وعمان، فسلسلة السراة كلها حجاز في قول «هشام الكلبي»، وفي صفة جزيرة العرب جبال السراة من عدن إلى الشام قالوا: والسروات ثلاث.. سراة بين تهامة ونجد، أدناها الطائف، وأقصاها قرب صنعاء، والطائف من سراة بنس ثقيف، و«معدن البرم»، هو السراة الثانية في «بلاد عدوان»، والسراة الثالثة أرض عالية وجبال مشرفة على البحر من المغرب، وعلى نجد من المشرق، وسراة «بني شبابة»، وبأسفل السروات أودية تصب إلى البحر، منها الليث، وقنونا، والحسبة، وضنكان، وعشم، وبيش، ومركوب، ونعمان، وهو أقرب بها إلى مكة وأفصح الناس أهل السروات أولها لـ«هذيل»، وهي تلي السهل من تهامة، ثم «بجيلة» وهي السراة الوسطى، وقد شركتهم «ثقيف» في ناحية منها ثم سراة «أزد شنوءة»، وهم «بنو كعب»: الأزد من عسير، بيد أن هذه السروات الثلاث لا تشمل الجبال الممتدة من عدن إلى أطراف الشام.

وجمع ياقوت في مادة «حجز»، وفي مادة «سراة» أقوالاً كثيرة لأكثر العلماء شهرة، والأقوال التي جمعها تكاد تجمع على أن «الحجاز» هو اسم أطلقه العرب على السروات التي تحجز بين «الغور» وهو هابط، وبين «نجد» وهو ظاهر، من أقصى اليمن إلى فلسطين، حيث تبدأ «الشراة» الكائنة في أطراف الشام.

ويقول محمد بين بليهد: السراة المعروفة في هذا العصر عند أهل نجد والحجاز حدها الشمالي: جبال الطائف، وحدها الجنوبي: جبال قريبة من عدن، وجبال نجران تعد منها، ومدينة نجران حجازية كما يقول البكري.

وأما أن يعني إقليم الحجاز الذي اقتصر عليه اسم الحجاز كما اقتصر اسم تهامة على تهامة اليمن، فيكون المقصود من الحجاز هو القطر الحجازي، وحدود «القطر الحجازي» تختلف باختلاف التقسيمات السياسية، فلكل زمان تقسيماته السياسية، وعلى أساس التقسيمات السياسية قال «أبو الفداء»: الحجاز الذي يشتمل على مكة والمدينة واليمامة، وكذلك الإصطخري اعتبر اليمامة من الحجاز، ولكن «أبا الفداء» رجع فقال: «وقيل اليمامة من الحجاز وقيل من العروض، وهو الأصح».

فنحن إذا سرنا مع حدود الحجاز السراة، التي نص عليها القدامى يجب أن ندخل أقاليمه الثلاثة في نطاق حدود العامة، فندخل القطر الحجازي بكامله ما خلا تهامته.

والحدود التي جاءت في مؤلفات أساتذة الماضي مثل: أبي الفداء والإصطخري والهمداني والبكري والحموي وغيرهم الذين جمعوا ما وصل إليهم عن أقاليم الحجاز، وما وصل إليهم عن جبال السراة من أقوال الكندي ومن تقدمه ومن جاء بعده، تعتمد على الرواية المتواترة، والرواية المتواترة إما تكون مبنية على قصيدة تذكر المنازل والمياه، وإما على رحلات المعنيين بجغرافية الجزيرة ومنازل شعوبها، وأنسابهم، وأيامهم، وأكثر هؤلاء عندما يتحدثون عن الحجاز وحدوده لا يقصدون حدود جبال السراة، ذلك القسم الذي سماه العرب: حجازا، وإنما يقصدون حدود «القطر الحجازي»، الذي هو قسم من «جبال السراة»، فالحد الجنوبي للحجاز في كتاب «جزيرة العرب» للأصمعي: من تخوم صنعاء إلى «العبلاء» و«تبالة»، والحد الجنوبي الذي ذكره الأصمعي أشار إليه «الهمداني» بقوله: من «تثليث» إلى ناحية «فيد» حجازا، لأن «تثليث، ورنية، وبيشة، ويبمبم، وعقيق» تمرة تقع جميعها في حد تبالة، وجميعها لـ«عقيل»، مياهها أحساء يصفها عرام بن الأصبغ السلمي بأنها بثور تجري تحت الحصى على مقدار ذراع ودون الذراع، وربما أثارتها الدواب.

في العصور الإسلامية تغيرت الحدود على حسب التقسيمات الإدارية في عهد الأمويين والعباسيين، وفي الفترات التي الحجاز فيها باليمن تغير الحدود تغيرا واضحا، مثلما تغيرت عندما التحق الحجاز بمصر، وعندما التحق نجد بالحجاز، وعندما التحق الحجاز بنجد، وكذلك كانت الحدود في عهد الأتراك تتغير تبعا للتقسيمات الإدارية، فلم يكن التغيير في الحدود يكلف المسؤولين غير المراسيم التي كانت تصدرها دمشق الأموية وبغداد العباسية أو القاهرة الفاطمية والقسطنطينية العثمانية، لا سيما أن الحدود بين الحجاز والأقطار التي تحيط به ليست حدودا ذات فواصل طبيعية واضحة، وعدم وجود فواصل هو الذي جعل الأقوال في حدود الحجاز تختلف كما مربنا، حتى في عهود استقلال دولة «بني الأخيضر» من سنة 251 إلى سنة 305 هـ، ثم الدول التي أتت بعدها في الفترات التي كانت تستقل فيها مكة، إلى أن أصبح الحجاز مملكة بعد الحرب العالمية الأولى.

وأخيرا استقر الحد الشمالي للقطر الحجازي، قبيل الحرب العالمية الأولى، وبعدها على هذا النحو: شمالا من شمال العقبة لا وشمال معان إلى حدود العراق، حيث كانت العقبة ومعان حجازيتين، إلى أن تنازل عنهما الملك حسين بن علي لإمارة شرقي الأردن سنة 1343هـ/ 1924م فأصبح الحد الشمالي للقطر الحجازي يبدأ من جنوبي العقبة ثم يتجه شمالا إلى جنوب معان ثم يمتد شرقا إلى حدود بادية العراق.

أما الحد الشرقي فهو يصل شرقا إلى غربي «فيد» في أرجح الأقوال كما تقدم، وأخيرا صار موضع خلاف بين «سلطنة نجد» و«مملكة الحجاز»، إلى أن وفق الله جلالة العاهل المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود فوحد الحجاز ونجدا وملحقاتيهما دولة عربية عزيزة الجانب.

وكذلك الحد الغربي فلم تنفصل تهامة عن القطر الحجازي، فالبحر الأحمر يحده غربا، ولقد كان هناك خلاف في حد الحجاز الجنوبي هل هو: بلاد عسير؟ أم أن بلاد عسير من الحجاز؟ ولكن هذا الخلاف زال على النحو الذي زال به الخلاف على الحدود الشرقية، فأصبحت حدود القطر الحجازي جنوبا هي حدود المملكة العربية السعودية، فقد توحدت أقطار المملكة واعتز بعضها ببعض.