حالة الصراع التي كانت ولا زالت بين القوى الدولية المتصارعة على التحكم بالنظام العالمي، والتي كانت سببا في كل حالات الحروب والدمار، والمعايير المزدوجة لمفاهيم الديمقراطية والحريات، أصبحت تستدعي أن تكون الحاجة ملحة لإزالة إرهاصات تلك المفاهيم التي سيطرت على العالم، وجعلته يظل منقسما مع إذكاء الصراعات هنا وهناك.

ولعله حان الوقت لمراجعة حقيقية للمبادئ الغربية والتي يتم فرضها على العالم العربي والإسلامي، لاسيما في ظل الازدواجية والتي تجلت بصورة واضحة في التعامل مع الملفات الإقليمية، ومستجدات الأزمات الداخلية والخارجية للدول. فمن غير المعقول أن تتخذ تلك الدول القوية قرارات استثنائية لحماية أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية، وتوجه في الوقت نفسه الانتقادات لدول أخرى، تنهج النهج نفسه في حماية مصالحها وأمنها.

إن مصطلحات الحرية والحقوق تعاني من الازدواجية، وأصبح استخدامها للمصالح الشخصية، وضرب المصالح للدول الأخرى، وفرض واقع من الابتزاز والهيمنة. كما يتضح من استخدام بعض الأذرع والتي لها أهداف سياسية تحت مسميات فضفاضة، كمنظمات حقوق الإنسان والتي دأبت على تسييس تقاريرها لخدمة أهداف تلك الدول. والغريب أن تلك المنظمات الحقوقية لم نسمعها يوما تنتقد المنهج الذي تبنته الدول الغربية مع الاحتجاجات ومع حرية الأفراد والأديان. بينما كان تركيزها على الدول الأخرى والتي مارست الإجراءات نفسها في حفظ الأمن، واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف المخربين والعملاء، الذين يهدفون للانزلاق بأوطانهم إلى حالة من الفوضى والخراب.

إن المستجدات والتصرفات الأخيرة التي تنهجها الدول المدافعة عن الديمقراطية والحريات، تجعلنا نتساءل عن ماهية تلك المعايير التي تحكم مفاهيم الديمقراطية والحرية، وهل غض الطرف عن الميليشيات الإرهابية والأحزاب الطائفية والدول المارقة التي ترعى الإرهاب وتصدره إلى البلدان المجاورة، هو نوع من تلك المعايير. لقد أصبح الوضع ملحا لاستحداث مفاهيم ومعايير جديدة من شأنها دعم الدول التي تكافح من أجل استقرار أمنها ورفاهية مجتمعاتها وإحلال السلام، وإزالة القيود التي يتم فرضها عليها، وقبل ذلك إزالة المخاطر التي تم وضعها على حدودها والتي تستهدف مصالحها.

صراع المصالح والنفوذ يجب ألا تدفعه المجتمعات التي تسعى إلى الأمن والسلام والاستقرار. ولعل التحالف الذي أنشأته المملكة العربية السعودية قد يكون بداية لناتو عربي يحمي مصالح تلك الدول، ويواجه التهديدات المحيطة، لاسيما الخطر الإيراني، والذي يتم دعمه وحمايته من تلك القوى بمعاييرها المزدوجة. إن وقوف المملكة بصفة خاصة، ودول الخليج بصفة عامة أمام مفاهيم اللا نظام والفوضى، والذي تحاول إيران نشره في البلدان المجاورة، هو مشروع مهم جدا، بدأ ببناء التحالفات الإقليمية وإعادة الهيكلة الداخلية وبناء القدرات الذاتية، والتنسيق العسكري مع الدول الحليفة ومواجهة الجماعات والميليشيات الإرهابية، وحماية المصالح والمكتسبات ومواجهة الأخطار المهددة لأمنها القومي، ومواجهة الاعتداءات التي تستهدف الاقتصاد العالمي والملاحة البحرية، وأمن الصادرات البترولية، وهي أهداف نجحت المملكة في تحقيقها.