يحذر مهتمون بالتراث الشعبي من أن تطغى الشيلات بكل الإقبال الواسع الذي تصادفه على الفلكلور والفنون الشعبية التي تطبع وتميز كلا من مناطق المملكة بطابعها الخاص.

يأتي ذلك في وقت دعا هؤلاء إلى إحياء التراث عبر ندوات توعية بأهمية التمسك به وإحيائه بعد أن تحول إلى موروث شعبي رقمي تروج له الشيلات عبر وسائل التقنية الحديثة، فيما شدد آخرون على أن الشيلات ليست أكثر من ظاهرة وقتية، ستنتهي وسيخبت وهجها لاحقا، فيما رأى فريق ثالث أنها جزء من الموروث ويمكنها أن تحقق له إضافات مهمة.

الأناشيد القديمة

يقول مدير جمعية الثقافة والفنون في نجران علي ناشر «عند الحديث عن الفنون الشعبية التراثية، لا بد أن نذكر الأناشيد القديمة التي كانت تقال أثناء أداء الأعمال مثل الحراثة والزراعة وحفر الآبار وغيرها، وكانت تردد من قبل جماعة العمل لتحفيز أنفسهم على مواصلة البناء أو الحفر وغيره بحماس، ومن وجهة نظري فإن الشيلات هي امتداد لتلك الأناشيد، ومع تطور الأدوات الموسيقية وظهور الأصوات الجميلة أصبحت الشيلات سمة سائدة من ضمن الفنون المطلوبة من قبل شريحة كبيرة في المجتمع، ولها محبون ومعجبون، ولا يمكن إلغاؤها لأنها لا تروق للبعض».

ويضيف «أما الموروث الفلكلوري الشعبي فلا يزال هو الهوية الأصيلة التي تمارس في المناسبات ولا يمكن لأي فن حديث أن يطمسه أو يلغيه تماما، وبالملاحظة نجد أن أغلب الشيلات جزء من الفلكلور لأنها تستمد الكلمات والألحان من التراث، ولكن بشكل مطور لم يمس جوهر التراث، ولو نظرنا مثلا إلى تاريخ الفلكلور، ولنأخذ الفلكلور النجراني كنموذج، وهو ما يعرف بـ«الزامل والرازف» وغيرها سنرى أن بداياتها لم تكن بالشكل الذي نراه الآن، فقد دخل عليه التغيير من حيث قوة الأداء وتأثره بالألحان وعدد المؤدين له بما يتناسب مع كل فترة زمنية، وهذا لا يعني أن أصالته اندثرت، إنما تمت إضافات عليه أكسبته مزيدا من الجمال والعذوبة، وهذا شأن كل فن في كل الحضارات».

البقاء للأفضل

يضيف ناشر «نستطيع القول إن هناك مساحة كبيرة في الحياة لتعدد الفنون وتنوعها فيما لا يتعارض مع القيم، والبقاء للأفضل، وما يعيب على بعض الشيلات والمؤدين لها هو تأثرهم بآلات مصاحبة وملابس ليست من عاداتنا وتقاليدنا، وهذا ما جعل البعض لا يستسيغ وجودها وليس إلغاءها للموروث والفنون الشعبية الأصيلة التي تظل ثابتة وباقية، ولن تؤثر عليها الشيلات حتى مع كثرة الإقبال عليها في المناسبات».

وتابع «مع إدخال الموسيقى والمؤثرات الصوتية الرقمية على الشيلات أصبحت تزاحم الأغاني بشكل كبير، خصوصا في المهرجانات التي تهتم بسباقات الهجن والمزايين، ورأينا عددا من المنشدين المشهورين بالشيلات في مهرجان عكاظ ومهرجانات الإبل المختلفة لامتلاكهم الموهبة والعذوبة والحضور، ومع اعتراف عدد من المطربين من الصف الأول بأن الشيلات زاحمت وأخذت حيزا لدى المستمع والمتلقي، لا بد أن نعترف أن الشيلات أصبحت رائجة، وخصوصا من الذين يهتمون بتقديمها بشكل لائق، وفي النهاية لكل فن غثه وسمينه، ولا يمكننا إزاحة الشيلات فقط لأنها زاحمت الموروث في مناسباتنا، فهي بالمقام الأول فن له جماهريته، ويمكننا القول إن الشيلات متى ما التزم أصحابها ومريدوها بالألحان التراثية والكلمات المنتقاة بعناية فإنها تفرض نفسها حتى تصبح جزءا من الفلكلور وليست طاغية عليه».

تأثير الشيلات

يذكر مشرف لجنة التراث، رئيس الفرق الشعبية بجمعية الثقافة والفنون في نجران مسعود الزحوف «لا يمكن إنكار تأثير الشيلات على هويتنا الوطنية وموروثنا الشعبي الأصيل الذي نفتخر به، فهناك إقبال شديد عليها، على الرغم من كونها دخيلة على مجتمعنا في المملكة عموما، لكنها قد تكون ظاهرة مؤقتة لا تلبث أن تمر مرور الكرام، وسوف تندثر مع مرور الوقت، لكننا في الجانب الآخر ما زلنا محافظين على الموروث الشعبي الأصيل، ومن ألوانه الزامل والرزقة والمثلوثة، والمرافع والطبول، وتلقى كل هذه الألوان الشعبية الأصيلة إقبالا كبيرا من قبل محبي هذه الألوان الشعبية في المنطقة، وأكبر مثال على ذلك تصدر شباب منطقة نجران لإقامة احتفالية المرقاب السنوية التي يشارك فيها عدد كبير من المهتمين بهذا الجانب، وعلى نفقتهم الخاصة، وذلك لإحياء هذا الموروث الأصيل وعدم اندثاره، وحتى يبقى مقاوما لمثل هذه الشيلات وحتى يتأصل في نفوس أبنائنا الشباب من الجيل الصاعد، ويبقى متوارثا في الأجيال المتعاقبة في السنوات المقبلة».

أساليب الفنون

يقول علي كبيبة «تختلف أساليب الفنون والرقصات الشعبية فيها كما تختلف بعض العادات والتقاليد، حيث تمتزج الحركات بوجدان النجراني في الأعياد ومناسبات الأفراح، وقديما كان الرقص يحضر في الصلح بين القبائل باعتباره طقسا شعبيا يتشرف به الضيوف عند زيارة قبيلة أخرى، أما اليوم فقد اختصت به فرق محترفة تتكون من مجموعة من الشباب تقدم الحفلات التي تؤدي الرقصات التقليدية بروح شبابية، وتؤدى هذه الألوان الشعبية من الرقص في مناسبات عدة، ومن أبرزها الزامل، والرزقة، والمرافع أو لعبة الطبول، ويعد الزامل من أهم الفنون الشعبية التي تؤدى في جميع مناسبات أهالي نجران، ولا يقتصر تقديم رقص الزامل عند أهالي نجران على الأفراح، بل يشمل كذلك مناسبات التوسط في حل الخلافات التي تنشأ بين القبائل أو الأفراد وما شابهها، حيث يؤدى هذا اللون دون استخدام الإيقاعات، وطريقة الزامل على أساس اصطفاف مجموعة من الرجال صفوفا بالتتابع خلف بعضها وتتنقل كلها في اتجاه واحد، ويمسك فيها كل واحد بأيدي المجاورين له، يردّدون بيتين من الشعر فقط، من ضمن الزوامل، زامل الحزن أو زامل النفس يردده شخص واحد عندما يكون في خلوة مع نفسه للتعبير عن موقف مؤثر».

حضور الشيلات

يرى هادي آل سليمان أن «الشيلات أصبحت تستخدم في المناسبات بعضها يستنسخ المورث الشعبي كلمة ولحنا، وبدأت تغطي على الفنون الشعبية مثل الرزقة وغيرها، وصارت حاضرة وبقوة في مناسباتنا الاجتماعية مثل الزواجات والحفلات وغيرها، ولها محبوها من الشباب وأيضا من بعض جيل السبعينيات والثمانينيات أيضا، على الرغم من انتقادها من قبل أصحاب الموروث الشعبي الأصيل الذي أصبح في عزلة واضحة إلا ما ندر».

ويكمل «أثرت التقنية الحديثة من خلال استخدام شيلات المورث على الفنون الشعبية الأصلية، ولكن من وجهة نظري الخاصة، فإن ما يحدث ليس إلا سحابة صيف لن تستمر، ولها فترة محدودة، وسوف تندثر أمام الموروث الحقيقي والأصيل الذي يتطلب دخول الميدان فهذا الموروث لا يزال له تأثير كبير في نفوس محبيه من النجرانيين».

الخيار الصعب

يواصل آل سليمان «الموروث الحقيقي سيبقى حاضرا وسيبقى هو الخيار الصعب والرقم الذي لا يمكن تجاوزه، ومن علامات القوة هو أن أبيات الروازف النجرانية مثلا تحكي عن تراث وثقافة جيل عظيم، كان له واقع مشرف، وتلك الأبيات التي تقال في الروازف وفي الزوامل هي أدلة وشواهد لأحداث تاريخية لا يمكن أن تنسى أو تندثر تحت أي ظرف، ولو قدّر لي أن أكون صاحب قرار، لرفعت خطابا إلى جهة الاختصاص وهي هيئة التراث لمنع الشيلات في المناسبات العامة واقتصارها على المناسبات الخاصة فقط، وذلك لسببين:

الأول: حتى لا تُطمس هويتنا وموروثنا الشعبي الأصيل.

والثاني: لما تسببه من حالة هستيرية في نفوس البعض، وأقولها هنا بكل أمانة فهي تحث على زيادة العنصرية القبلية والامتداح غير المبرر، وتجعل أصحابها يعيشون حالة من النشوة القبلية التي قد تنتقص من الآخر، وهذه وجهة نظر خاصة قابلة للتصحيح».

تأثير سلبي

يشدد الشاعر حمد آل زمانان على أن الملاحظ في الآونة الأخيرة كثرة إقبال الشباب في جميع المناسبات على الاكتفاء بالشيلات دون الاهتمام بعادات الآباء والأجداد والمحافظة على الموروث الشعبي لمناطقهم وأهاليهم، ويقول «لا شك أن الاستمرار على هذا الحال له تأثير سلبي على الموروث الشعبي، ومع الأيام والسنين سنفتقد هذا الموروث إذا لم تكن هناك وقفة جدية من الجهات المعنية، ومن كبار السن لمحاصرة الوضع الذي يعد دخيلا على عاداتنا وتقاليدنا، فالواجب علينا كمجتمع متعلم ومتمسك بالمبادئ والعادات أن نتناصح بيننا وننصح أبناءنا حتى لا يندثر هذا الموروث مع مرور الأيام، فالواجب أن أي حفل مثل حفل عيد أو زواج أو ختان أو استقبال ضيوف أو غيره من الاحتفالات التي تقام مثلا في نجران يفتتح بالزامل المشهور والذي له دور في جميع المناسبات، ثم بعد ذلك الرازف، ويستمر الحفل على هذا النمط متنوع الزوامل والروازف والمثلوثة وغيرها من الألوان الشعبية ثم بعد ذلك لا يمنع أن تشغل شيلات في آخر الحفل كترويح عن النفس، أما أن يهمّش دور الألوان الشعبية ويفتتح الحفل بالشيلات مثل ما شاهدنا في بعض المناسبات فهذا أمر خطير، فالمطلوب من كبار وعقلاء القبائل في نجران أن يقدموا النصيحة لأبنائهم وعدم الإهمال في ذلك حتى نستمر على خطى من سبقنا من الأجيال الماضية التي نفتخر ونعتز بتاريخها المشرق في جميع المجالات، فلو نظرنا إلى جميع القبائل في المملكة لوجدناها حريصة على عاداتهم وتقاليدهم وألوانهم الشعبية».

مصدر فخر

يقول فهد عسلان «لم تطمس الشيلات الفنون الشعبية، فما زال الزامل والرازف والطرب وأيضا المثلوثة حاضرة مثلا في المناسبات النجرانية من أعياد وزواجات وغيرها من المحافل، وما زال الموروث متواجدا مع كثرة الشيلات، وهو محفوظ لأنه مصدر فخر لأبناء المنطقة حتى للأجيال المقبلة، والأجيال القادمة لا تحتاج إلى نصيحة للمحافظة على مورثهم الأصيل، فالموروث متواجد في كل بيت، وإن شاء الله لن يندثر، وأنا لست ضد الاستماع للشيلات، بل على العكس، هناك شيلات طربية جميلة تدخل السرور للقلوب».

التمسك بالعادات والتقاليد

يوضح مدير جمعية المتقاعدين في منطقة نجران، عضو المجلس البلدي سالم آل حنظل أن «تبنت الجهة الشرقية من منطقة نجران الفنون الشعبية المشرقية، ووسط نجران وغربه تبنوا الشيلات والديجي متناسين الفن الشعبي المميز لمنطقة نجران الرزقة والزامل، وذلك يعود إلى أن الشيلات غير مكلفة، وتكون عن طريق CD أو فلاشات صغيرة يتم اللعب على أنغام مسجلة فيها فيها الأشعار والمدح وما شابه ذلك سواء عند الرجال أو النساء».

وأضاف «أتمنى لو نغرس التمسك بالعادات والتقاليد في الفنون الشعبية عن طريق اجتماع يضم الخبراء والمثقفين والمهتمين بالفنون الشعبية، وأتمنى لو يتم عمل ندوة كمحاضرين حول إحياء التراث الذي تكاد الشيلات تغطي عليه بتكاليفها الزهيدة».

الشيلات دخيلة

بشكل قاطع، يؤكد إبراهيم أبو ساق أن الشيلات دخيلة على المجتمع النجراني والسعودي كافة، ومع كثرتها والبعد عن الموروث سيأتي وقت لن نجد فيه من يؤدي الموروث.

وقال «الشيلة الآن مجرد أغان، ولكن الفرق أن المغني سابقا كان يقوم بالعزف على العود وأغلب المجتمعات القبلية تستعيب الغناء المصاحب للمعازف، أي تراه عيبا ما عدا ما تصاحبه الربابة، مما اضطر بعض المغنين من أبناء القبائل لاستحداث مسمى «الشيلة» وعزل المغني عن الآلة الموسيقية لإيهام المجتمع أنه ليس مغنيا حتى يتقبله المجتمع الذي رفض المغني فصاحب الغناء وصاحب الشيلات وجهان لعملة واحدة، وأرى أن المحافظة على موروثنا الشعبي واجب علينا».
من المحلية إلى مدى أوسع
خلاف آراء كثيرة رأت في «الشيلات» تهديدا للموروث، يرى شاعر الموروث الشعبي سعد هادي الألمعي أن «الشيلات أضافت للموروث الشعبي رونقا جميلا، بل جعلته يواكب التطور ونقلته من المحلية إلى مدى أوسع بالحفاظ على أساسيات الصوت والحركة، وصار تقبل التراث الشعبي حاليا لدى طبقات المجتمع أكثر مما مضى مع الالتزام بالشكل التقليدي لهذا التراث في مواطنه المحلية».

وأوضح «الألمعي»: «أضافت الشيلات كثيرا للموروث، وأسهمت في انتشاره بشكل واسع، مما ساعد على معرفته أكثر، وبات بمقدور جميع شرائح المجتمع الاطلاع عليه وسماعه حتى ولو لم يكن على أصله المطلق، أما الكبار فقد لا يتقبلونه بشكل كبير في بداية سماعه، ولكن مع الوقت سيعتادونه، أما الجيل الحالي فقد منح الشيلات وقتها الذهبي، خصوصا تلك التي تكون على شكل قصائد نبطية ملحنة، أو شيلات من الموروث القديم قدمت بشكل عصري يواكب التطور التقني الحالي مع الحفاظ على أصلها الذي كانت عليه».

الشيلات

ـ لون فني شعبي مستحدث

ـ تحظى بمتابعة كثيرين

ـ تتميز بألحانها الحماسية

ـ تخلو من المعازف

ـ تعتمد على الإيقاع السريع

ـ يؤديها شخص أو أكثر مع ترديد جماعي كورالي
سماتها

لغتها عامية

تتسم بنبرات التحدي

تحفل بالعبارات التصادمية

تؤكد على عناصر القوة والنفوذ

أركانها

1 القصيدة

2 المنشد

3 اللحن والإيقاع

4 النشر (ليس لها حقوق ملكية فكرية)

حلول للمحافظة على الموروث الشعبي

الوقفة الجدية من كبار السن

نصيحة الأبناء بالمحافظة على الموروث

إحياء الفنون الشعبية في جميع المناسبات

عقد ندوات لإحياء التراث الشعبي