طرح الأمير محمد بن سلمان مبادرةً، من أجل شرق أوسط أخضر، على زعماء المنطقة في إطار رؤية 2030، المبادرة جريئة وعميقة البعد، تخطط لزراعة 50 مليار شجرة لخفض ابتعاث الكربون، والحفاظ على البيئة النظيفة، والتركيز على الطاقة المتجددة في الإستراتيجيات التنموية، ولكن السؤال لماذا ترمي هذه المبادرة؟ ولماذا الآن؟

التنمية الجديدة اليوم تعيش ثورة صناعية، بطبيعة مختلفة عما سبقها من ثورات صناعية، فالثورة الصناعية الأولى قامت على البخار والفحم وسكك الحديد، والثورة الصناعية الثانية قامت على الكهرباء والنفط والسيارة. أما الثورة الصناعية الجديدة اليوم فإنها تقوم على الذكاء الاصطناعي وثورة المعلومات والطاقات المتجددة!. والأدبيات التنموية الجديدة أصبحت تعتمد مفهوم الاقتصاد الأخضر green economy وفق التعريفات التي تقدمها المؤسسات الدولية، التي تؤسس لاقتصاد يضمن زيادة الرفاهية الإنسانية والعدالة الاجتماعية، مع الحفاظ على نظافة وتنوع الوسط البيئي، وعدم تبديد الثروات الطبيعية.

عشرات من السنوات عشناها كان الاقتصاد فيها يركز على استراتيجيات التنمية، وعلى مفهوم النمو growth بكل دلالاته المحصورة في زيادة الدخل، وتضخم الموارد المادية إلى أن وصلنا إلى حال على كوكب الأرض، يجبرنا على أن تصبح المقاربات الجديدة تركز على الأبعاد الإنسانية، وليس فقط التنموية، بكل ما يقتضي ذلك من إدماج البيئة الطبيعية والرفاهية الاجتماعية، وإشباع الحاجيات الحيوية، في صلب الممارسة الاقتصادية، وهذا هو مربط الفرس. ومن هنا تبلورت فكرة «التنمية الإنسانية المستدامة» التي أخذتها أو اختطفتها المؤسسات الأممية لتروج لها، في الوقت الذي صاغ علماء الاقتصاد مؤخرا مقولة «الاقتصاد الدائري» circular economy باعتباره يقوم على إنتاج الموارد والخدمات بصفة عادلة ودائمة، بالحد من سوء استغلال الثروات الطبيعية وإتلافها، ضمن نسق متناغم تعاوني ومتجدد، على عكس مسلك السيطرة والاستغلال، الذي طبع لسنوات الاقتصاديات الرأسمالية التقليدية.


بينت الأزمات الاقتصادية بالسنوات الأخيرة، وبصفة خاصة الأزمة المالية العالمية «2008» ضرورة الانتقال إلى نمط الاقتصاد الدائري الأخضر، لتجاوز المأزق الذي يقود إليه نموذج التنمية الصناعية التقليدية، الذي لا يمكنه تحقيق حاجيات سكان المعمورة، باعتبار الموارد المحدودة المعرضة للتبديد والانحسار. ففي حين تفيد الإحصاءات الدولية أن 80% من سكان الأرض، لا يزالون يعتمدون على الموارد الأحفورية والصناعات الاستخراجية، فإن المعطيات نفسها تؤكد أن هذه الثروات المعرضة هي للتلاشي، ولم تعد قادرة على سد الحاجيات البشرية إذا استمررنا على هذه الوتيرة.

دعا عالم الاقتصاد الهندي أمارتيا سن، والحاصل على جائزة نوبل عام 1998، وحذر كذلك عالم الاقتصاد الأمريكي وليام نوردانس، الحاصل على الجائزة نفسها عام 2018، إلى فكرة الدفاع عن الطبيعة والاستثمار في الموارد البيئية النظيفة كدعامة للتنمية، وذلك للخروج من الأزمات الاقتصادية الراهنة، ضمن منظور تعاوني وإبداعي يقوم على الشبكات التشاركية، والضبط الرقمي والتبادل المفتوح.

كانت السعودية محور الاقتصاد النفطي العالمي، ومن أهم أقطاب الاقتصاد التقليدي لسنين، واليوم هي من خلال رؤية الأمير محمد بن سلمان الجريئة، والمشاريع الرائدة التي رعاها، تطمح لأن تكون من محاور الاقتصاد العالمي الجديد، وقاطرة التنمية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، وستكون.