بمشاهدات بسيطة لأغلب الإعلانات قبل رمضان، تجد كميات كبيرة منها للجمعيات الخيرية التي توفر سلالا رمضانية للأسر المحتاجة، وتجده سطر في آخر الإعلان حساب آيبان بنكي «كبر قريح» للتبرع، والغريب أن هذه الجمعيات بالفعل تجد من التبرعات في رمضان والفترة التي تسبقه بأيام، أموالا قد لا تجمعها طوال الفترة المتبقية من العام.

وتلاحظ بقية أيام العام هذا المحتاج ينتظر سلة واحدة ولا يجدها، بينما يجد في بداية رمضان عشرات السلال من عشرات الجمعيات والتي تصور وتنشر استجداء لجيوب المتبرعين.

كانت هناك جمعيات سابقة - بعضها غير رسمية -تستغل المشاعر الإنسانية، وخصوصا في المناسبات الدينية مثل رمضان والعيدين والحج، لتجمع أكبر قدر ممكن من الأموال التي اكتشف لاحقا أنها تذهب بـ«ربطتها» لجماعات إرهابية، فوضعت وزارة الداخلية آلية خاصة لتنظيم عمل الجمعيات الخيرية، وطرق فتح حساباتها البنكية بالتعاون مع مؤسسة النقد العربي السعودي آنذاك، وتوحيد طريقة تضمن عدم مغادرة هذه الأموال للبلاد وتحديد آلية صرفها، ولا يسمح بخروج أي مبالغ ما لم تمر على شخصين أو أكثر هم المسؤولون أمام الحكومة عن صرفها.

اليوم نلاحظ عشوائية في التوزيع وعدم وضع خطة موحدة للتأكد من أن الأسر المحتاجة في قرى جيزان تأخذ بالقدر نفسه والآلية التي تصل للأسر المحتاجة بحي منفوحة في الرياض، وأن الجمعيات الخيرية بعرعر لا تشتري إلا كما تشتري جمعيات الأحساء الأغراض نفسها التي تحفظ كرامة الأسرة، وليس فقط للتصوير الاستعراضي لهذه السلة والتي من «برى الله الله، ومن جوه يعلم الله»، فلا يمكن أن تكون هناك جمعية قد تقدمت لأخذ التراخيص اللازمة وتم تحديد نطاقها الجغرافي وبدأت تصل إليها التبرعات والدعم الحكومي كذلك، وفي النهاية تجد أن ما يهم الرقيب عليها هو إضافة صور لملف نشاط الجمعية، دون التأكد من المستفيد النهائي ومدى استفادته مقارنة بالمبالغ المرصودة بحساب هذه الجمعية، بل وكيف أن هناك جمعيات لديها متبرعون منتظمون يدعمونها بسخاء تجعلها قادرة على أن تقدم سلالا رمضانية وشعبانية وحتى محرمية تحتوي على «استاكوزا وكافيار»، وهناك جمعيات لا تستطيع أن تشتري إلا نوعا من المعكرونة بعد طبخها لا تفرق بينها وبين وجبة «سيريلاك»، بسبب عدم وضع موازنة حقيقية من قبل جهات تنظيم العمل الخيري، والتي نلاحظ أنها تنام طوال العام ومن ثم تصحو وتعمل في شهر واحد، وتعود للسبات «الشتوي والصيفي والربيعي وجزء من الخريفي»، فليس عندنا نقص في عدد الجمعيات وليس لدينا شح في المتبرعين، ولكن المتبرع يبحث عما يشعره أنه قدم شيئا له تأثير في حياة أسرة، وليست صورا مكررة وأرقاما تهتم الجمعيات أنها تصمم بطريقة عرض احترافية، أكثر من اهتمامها بالعمل الأساسي الذي أنشئت لأجله، بينما بعض الأسر المحتاجة تبقى في انتظار كاميرات وصور ما قبل رمضان. فحتى نضع الخيوط الأساسية لتنظيم العمل الخيري، يقع علينا كمجتمع جزء من هذا التنظيم، وأوله سؤال علينا أن نطرحه على أنفسنا «هل يجوع المحتاج في غير رمضان؟».