الأزمة التي مر بها الأردن مؤخرا أحدثت رجة كبرى في المنطقة، لأن الأردن هو البلد الوحيد من دول المشرق العربي (بلاد الشام والهلال الخصيب) الذي حافظ على استقراره إثر الأزمات الحادة التي عصفت بالمنطقة، وقد كان الأردن طوال هذه السنين الوجهة الحاضنة للكثير من اللاجئين الذين استحال عليهم العيش الآمن في أوطانهم، بدءا بحرب العراق 2003 وانتهاء بموجة «الربيع العربي».

تحمل وامتص الأردن الكثير من الصدمات والتحولات العربية في العقدين الأخيرين: حيث كان الضحية الأكبر بعد ضياع الأوطان لاستقبال واحتضان اللاجئين العراقيين ثم السوريين، رغم ضعف إمكانياته وهوان مداخيله، ولن أنسى أن الأردن حمى بقية الوجود المؤسسي الفلسطيني بعد انهيار مسار السلام مع إسرائيل.

إن هوية الأردن منذ تأسيس الدولة عام 1921 كانت دوما الأرضية العاكسة لتناقضات وأزمات العالم العربي، من خلال تركيبته البشرية المتنوعة من بدو شرق الأردن ومهجري الشتات الفلسطيني وضحايا حروب البلقان. ورغم محدودية الموارد وتعقد البنية الديموغرافية، استطاعت الدولة الأردنية الهاشمية الصمود أمام أخطر التحديات منذ الانقلابات العسكرية في العراق وسورية، إلى الفترة الناصرية والحروب العربية الإسرائيلية التي كلفت الأردن انفصال الضفة الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

الأردن هو جسر الارتباط بين منطقة الخليج والجزيرة العربية من جهة، وبلاد الشام والعراق من جهة أخرى، وهو البوابة الرئيسة لفلسطين وخط الجبهة الرئيسي مع إسرائيل، ومن هنا تأسست السياسة الأردنية تقليديا على ثلاث دعامات هي:

- التحالف القوي مع المعسكر الغربي وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في مرحلة كان الأردن دوما مسرحا مهما من مسارح الحرب الباردة، ومواجهة التغلغل السوفيتي ووكلائه في المنطقة.

- العلاقات الوثيقة مع دول الخليج العربي التي ترى في الأردن امتدادا وسندا لها، وتجعل من حمايته ورقة أساسية من أوراق أمنها الحيوي.

- أداء دور الوساطة والتقريب بين محاور وأطراف اللعبة الإقليمية، بما فيها ترتيب العلاقة مع إسرائيل وإدارة جانب أساسي من جوانب الملف الفلسطيني.

لقد أظهرت الأزمة الحالية أهمية الأردن إستراتيجيا، وكان لدعم الدول الخليجية وبصفة خاصة المملكة العربية السعودية دور مهم في تجاوز الأزمة السياسية التي عرفها الأردن مؤخرا. إن المطلوب حاليا هو مساعدة الأردن على تجاوز جذور الأزمة الحالية التي من أهمها الأوضاع الاقتصادية المتردية، والتهديدات الإرهابية والتأثيرات السلبية لأوضاع الجوار الإقليمي.

في الأسابيع الأخيرة ظهرت مبادرة لعقد قمة ثلاثية بين الأردن ومصر والعراق، بما يعني تنشيط مجلس التعاون العربي الذي تأسس عام 1989 ولم يصمد مع احتلال الكويت عام 1990. اليوم بعد رجوع العراق للصف العربي وزيارة رئيس الوزراء العراقي الكاظمي للسعودية والإمارات، أصبح من الضروري مساعدة دول الخليج للأردن والأطراف الشريكة له في بناء هذا المحور الإقليمي المهم الذي سيكون قوة دعم كبرى للسعودية وبلدان مجلس التعاون الخليجي، وبادرة أمل بإحياء النظام العربي.