فتح الحديث عن حملات التلقيح ضد فيروس كورونا مع انتشار جرعاته في كل دول العالم المجال واسعاً أمام من يدعون العلم بالإفتاء، ويزجون بأنفسهم خلف كل فتوى، وفي كل حادثة طارئة ليضيقوا الواسع أحيانا، ويقتحموا عالم المباحات الذي هو الأصل في كل الأشياء.

وصاغ أهل العلم قاعدة «الأصل في الأشياء الإباحة» استخلاصا من أدلة الشرع، إلا أن بعض العلماء والفقهاء يجتهدون في أمور مباحة أصلا ويقحمون أنفسهم في فتاوى واضحة، وهو ما قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى «اعلم أن الأصل في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالا مطلقا للآدميين».

وتؤكد هذه القاعدة أن «كل ما على الأرض من منافع، وما استخلصه الإنسان منها: فالانتفاع به مباح، ما لم يقم دليل على تحريمه».

الأصل الإباحة

قال الباحث في الجهود والسياسات الدعوية بالمملكة الدكتور نمر السحيمي: كل شيء من الأمور في حياة الإنسان من عبادات وأخلاق ومعاملات فالانتفاع به مباح، ما لم يقم دليل على تحريمه، والقاعدة العلمية أن «الأصل في الأشياء الإباحة»، وتابع: استناداً على أدلة من كتاب الله وصحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية «الأصل في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالا مطلقا للآدميين، وأن تكون طاهرة لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها ومماستها، وقد دل عليها أدلة عشرة وهي: كتاب الله، وسنة رسوله، واتباع سبيل المؤمنين المنظومة في قوله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقوله (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)، ثم مسالك القياس، والاعتبار، ومناهج الرأي، والاستبصار».

ولكن استثنى أهل العلم من الأمور التي لم يقم على تحريمها دليل شيئان هما:

الأول: الشيء المحتوي على ضرر لأن ما يضر الإنسان أو متعلقاته كالبيئة والمجتمع وغيرها يكون الأصل فيه التحريم وذلك يخرج من قاعدة «الأصل في الأشياء الإباحة»، والدليل قوله الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن اللَّه كان بكم رحيما)، وقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)، وتقدير الضرر تكلم فيه العلماء واعتمدوا قاعدة «دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح».

الثاني: الشيء المحتوي على محرم كأن دخلت مكونات محرمة في طعام ما أو دخلت كلمات محرمة في قصيدة ما، أو دخلت سلوكيات محرمة كاستخدام السلاح في المناسبات العامة والخاصة الخ..

وخلاصة القول في هذا الموضوع هو عدم جواز الفتوى في الأشياء المباحة لأن في ذلك تضليل وتشتيت للمجتمع بل وصرف للإنسان عما أحل الله له بلا دليل شرعي.

الشارد والوارد

بيّن فالح بن عثمان الفالح إمام مسجد الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود آل سعود أن «الأصل في الأمور الإباحة إلا ما دل الدليل الصحيح من الكتاب العزيز والسنة المطهرة على تحريمه أو كراهته، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وللأسف الشديد هناك من يفتات على كبار العلماء ويتدخل في عملهم، ويفتي في كل شاردة وواردة ويستغلون الأمور الحادثة ومنها جائحة كورونا للفتوى في عدم وجوب أخذ اللقاح وعدم وجوب الالتزام بالأمور الاحترازية التي وضعتها الدولة أعزها الله للحفاظ على الوطن والمواطن وصحته وحياته، وهذا في حقيقته تشغيب وافتيات على ولي الأمر، وأدعو لمنع هؤلاء والأخذ على أيديهم حفظاً لمكانة ولي الأمر ومكانة كبار العلماء».

من يملك التقييد

أقر علماء المسلمين على أن لولي أمر المسلمين وحده تقييد المباح وفق شروط وضوابط حددوها، بأن يكون فعل المباح مؤدياً إلى ضرر أو حرام، كأن يمنع مثلا مريضا بجذام أو وباء من مخالطة غيره، وأن يكون أمر المباح متعلقا بشؤون الدولة الخاصة، مثل إلزام الجيش بلباس معين، وإلزام الموظف بدوام محدد، وتنظيم المرافق والأموال العامة التي يشترك فيها المسلمون، وتنفيذ فروض الكفاية المنوطة بالدولة، مثل جمع الزكاة والجهاد وغيرها.

وبالتالي، فإن من يسارعون إلى الفتوى في تحريم المباح، إنما يفتئتون على ولي الأمر، ويتدخلون فيما لا يعنيهم، وربما يثيرون البلبلة بين العامة، ويصلون بأمور الناس إلى الفوضى، وكل هذا مقدم على عملهم.

إجماع العلماء الثقاة

ـ لا يحق لأحد تحريم شيء إلا بدليل شرعي قاطع

ـ الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل بالحظر

ـ الحلال هو الأصل، والحرام هو الاستثناء

ـ الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة

ـ المحرمات قليلة معدودة محصورة والمباحات كثيرة لا تنحصر